للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَجَعَ إلى كلٍّ منّا ما نُزِعَ منه من العِلْم، ولقد ذكر لنا مسائلنا التي بيتناها له، وذكر فيها أجوبةً لا نعرفها.

وقال أبو الحجر حامد الحَرَّاني الخطيب: دخلتُ على الشيخ عبد القادر رحمة الله عليه بمدرسته ببغداد، وجلستُ عنده على سَجَّادةٍ لي، فنظر إليَّ، وقال: يا حامد، لتجلسنَّ على بساط الملوك. فلما رجعتُ إلى حَرَّان جبرني السُّلطان نور الدِّين الشَّهيد على ملازمته، وقرَّبني، وأَجْلَسني على بساطه، وولَّاني الأوقاف، فكنتُ أتذكر كلامَ الشيخ .

وقال أحمد بن صالح الجيلي: كنت مع سيِّدنا الشيخ عبد القادر بالمدرسة النِّظامية، واجتمع إليه الفقهاء والفقراء، فتكلَّم عليهم في القضاء والقدر، فبينا هو يتكلَّم إذ سقطتْ حيةٌ عظيمة في حِجْره من السَّقف، ففرَّ منها كلُّ مَنْ كان حاضرًا عنده، ولم يبق إلَّا هو، ودخلتِ الحيةُ تحت ثيابه، ومرَّت على جسده، وخرجت من طوقه، والتفَّتْ على عُنُقه، ومع ذلك ما قَطَعَ كلامه، ولا غيَّر جلسته، ثم نزلتْ إلى الأرض، وقامت على ذنبها بين يديه، فصوَّتت، ثم كلَّمها بكلامٍ ما فهمناه، ثم ذهبتْ، فجاء النَّاسُ إليه، وسألوه عما قالت له، وقال لها، فقال: قالت لي: لقد اختبرتُ كثيرًا من الأولياء فلم أَرَ مثل ثباتك. فقلتُ لها: إنَّك سَقَطتِ عليَّ وأنا أتكلَّم في القضاء والقدر، وهل أنت إلَّا دُوَيبَّةٌ يحرِّكُك ويُسَكِّنُك القضاء والقدر! فأردتُ أن لا يناقض فِعْلي قولي.

وقال عبد الرَّزَّاق ابنُ سيدنا الشيخ محيي الدِّين رحمة الله عليه: سمعتُ والدي يقول: كنتُ ليلةً في جامع المنصور أُصلِّي، فسمعتُ حِسَّ مشي شيءٍ على البواري (١)، فجاءت أَصَلَةٌ (٢) عظيمة، ففتحت فاها موضعَ سجودي، فلما أَرَدْتُ السجود دَفَعْتُها بيدي، وسجدتُ، فلما جلست للتشهُّد مشت على فَخِذي، وطلعت على عُنُقي، والتفَّتْ عليه،، فلما سلَّمْتُ لم أرها، فلما كان من الغد دخلتُ خربة بظاهر الجامع، فرأيتُ شخصًا عيناه مشقوقتان طولًا، فعلمتُ أنَّه جني، فقال: أنا الأَصَلة التي رأيتها البارحة، ولقد اختبرت كثيرًا من الأولياء بما اختبرتك به، فلم يثبت منهم لي كثباتك،


(١) مفردها بارية، وهو الحصيرة.
(٢) الأصلة: حية عظيمة تهلك بنفخها. "القاموس المحيط" (أصل).