للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك نبهت على محل المشايخ الذين أثنوا عليه بما يعرف به مَحَلَّهم الناظِرُ في هذه الترجمة والمتأمّل لها، ويعلم أنَّ الفَضْل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفَضْل العظيم، مع أنَّه لم يجتمع لأحدٍ من المناقب، وأسباب المحامد ما اجتمع لسيدنا الشيخ محيي الدِّين - رحمة الله عليه - من العِلْم والعمل والحسب، والمواهب الجسيمة، والنّعم المتتابعة، نفعنا الله ببركته، وحشرنا في زمرته، وأماتنا على محبته، فقد حُكي أن بعض محبيه حَلَفَ بالطَّلاق أن سيدنا الشيخ عبد القادر أفضل من أبي يزيد البِسْطامي رحمة الله عليه، ثمَّ استفتى علماءَ العراق، فكلٌّ منهم أحجم عن الجواب، فتحيَّر في أمره، فقيل له: عليك بالشيخ عبد القادر، فهو أخبر بذلك، فجاء إليه، وقصَّ عليه قِصَّته، فقال: وما الذي حملك على هذا؟ فقال: قد وقع ذلك، فَمُرْني ما أفعل؟ هل أفارق زوجتي أو أستمر على مضاجعتها؟ فقال: ضاجع زوجتك، فكلُّ ما وَصَلَ إليه أبو يزيد البِسْطامي وصلتُ إليه، وسبقتُه بفضيلة عِلْم الفُتْيا، وهو لم يفت، وتزوَّجْتُ ولم يتزوج، ورُزِقْتُ الأولاد.

قلت: وسَيِّدنا أحقُّ النَّاسِ بقول المتنبي: [من الطويل]

إذا علويٌّ لم يكن مثل طاهر … فما هو إلا حجة للنواصب (١)

[وفيها توفي] (٢)

عبد الكريم بن محمَّد بن أبي فضل الأنصاري الحرستاني (٣)

الشافعي] (٤)، ولد سنة سبع عشرة وخمس مئة، وسافر إلى العراق وخراسان، وسمع الحديث وتفقه، واستنابه أبو سعد بن أبي عصرون بالزاوية الغربية بجامع دمشق [في التدريس] (٤)، وضمَّ إليه المدرسة الأمينية، وكانت وفاته بدمشق في رمضان، [سمع أبا الحسن بن قُبيس وغيره] (٤)، وكان صالحًا، ثقة.


(١) "ديوانه": ١/ ٢٨٤.
قال الإمام الذهبي: ليس في كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ عبد القادر، ولكن كثيرًا منها لا يصح، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة. . . وفي الجملة الشيخ عبد القادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه، والله الموعد، وبعض ذلك مكذوب عليه. "سير أعلام النبلاء": ٢٠/ ٤٥٠، ٤٥١.
(٢) ما بين حاصرتين من (م).
(٣) له ترجمة في "تاريخ ابن عساكر"، المجلد ٤٣/ ١٠١.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).