للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان [عمر] (١) المَلَّاء من الصَّالحين، وإنما سُمِّي المَلَّاء لأنَّه كان يملأ تنانير الآجُرّ،

ويأخذ الأُجرة، فيتقوَّت بها، وكان ما عليه من الثِّياب مثل القميص والعِمامة ما يملك غيره.

[وكان] (١) لا يملك من الدُّنيا شيئًا، وكان عالمًا بفنون العلوم، وجميع الملوك والعلماء والأعيان يزورونه [لأجل صلاحه] (١) ويتبركون به (٢)، وصنَّف كتاب سيرة النَّبيِّ ، وكان يعمل مولد النَّبيِّ في كلِّ سنة، ويحضر دعوته صاحبُ المَوْصل والأكابر، وكان نور الدين يحبُّه ويكاتبه، وكان مكان الجامع النُّوري خَرِبة واسعة ما شَرَعَ أحدٌ في عمارتها إلا وقصر عمره، فأشار عمر على نور الدين بعمارتها جامعًا، فاشتراها وأنفق عليها أموالًا كثيرة، يقال ستين ألف دينار، ويقال: ثلاث مئة ألف دينار، فتمَّ في ثلاث سنين، وجاء نور الدِّين إلى المَوْصل [وهي] (١) المرة الأخيرة، فصلَّى فيه، ووقف عليه قرية بالمَوْصل، ورتَّب فيه الخطيب والمؤذِّنين والحُصُر والبُسط وغيرها، ثم دخل عمر المَلَّاء على [نور الدين] (٣) وهو جالسٌ على دِجْلة، فترك بين يديه دساتير الخَرْج، وقال: يا مولانا أَشْتهي أن تنظر فيها، فقال له نور الدين: يا شيخ نحن عملنا هذا لله تعالى، دع الحساب إلى يوم الحساب، ثم رمى بالدَّساتير في دِجْلة.

[قال] (١): وبنى جامع حماة على العاصي (٢).

ووقع [بيد نور الدين] (٤) إفرنجي من أكابر الملوك، ففدى نفسه بمالٍ عظيم، فشاور نور الدِّين أمراءه، فأشاروا ببقائه في الأَسْر خوفًا من شرِّه، فأرسل إليه نور الدِّين في السِّر يقول: أحضرِ المال، فأحضر ثلاث مئة ألف دينار، فأطلقه [نور الدين] (١) فعند وصوله إلى مأمنه مات، فطلب الأُمراء أسهمهم من المال، فقال نور الدِّين: ما تستحقون منه شيئًا، لأنكم نَهَيتُم عن الفداء، وقد جمع الله لي الحُسْنيين: الفداء، وموت اللعين، وخلاص المُسلمين منه. [فبنى بذلك المال المارَسْتان] (٥).


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) الباهر: ١٧٠.
(٣) في (ح): عليه، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) في (ح): بيده، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٥) في (ح): "فبنى بذلك المال مارستان دمشق ومدرسته ودار الحديث بدمشق، ووقف عليها الأوقاف. وفي (م): "فبنى بذلك المال جامع ومارستان ومدرسة ودار الحديث بدمشق، ووقف عليهم الأوقاف. والمثبت ما بين حاصرتين من (ش)، وهو الصواب، وانظر "الروضتين": ١/ ٤٦.