للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وقد صنف كتابًا سماه "الفخر النوري" فيه أحاديث العدل والجهاد ومواعظ وغير ذلك، وصنف نور الدين أيضًا كتابًا في الجهاد، وهو بدمشق.

قلت: فقد ذكرتُ ما نقله علماء السير مما وقع لهم من سيرته، وما يستدل به على صالح سريرته، وقد وقع لي مآثر لم يذكروها، ومفاخر لم يُسَطِّروها لم تكن لملك غيره من ملوك الجاهلية والإسلام، ولا رأوها ولا في الأحلام]، كان مشغولًا بصيد الصِّيد (١) لا بصيد الغزلان، وما زال بَدْرُ مبادرته إلى الخيرات يتمُّ لا عن نقصان، هذي المكارم لا قَعْبان (٢)، كان في عزمه أن يفتح البيت المقدَّس، فعمل منبرًا وقِبْلة بجامع حلب على اسم القُدْس، فتوفي قبل الفتوح، فلما [ملك صلاح الدين البيت المقدس] (٣) حمل المنبر إليه، وأبقى القِبْلة بجامع حلب.

[ومنها أنه] (٤) كان له عجائز بدمشق وحلب، فكان يخيط الكوافي، ويعمل الساكر للأبواب، ويبيعها العجائز ولا يدري بهنَّ أحد، فكان يوم يصوم يُفْطر على أثمانها، وحكى لي شرف الدِّين يعقوب بن المبارز المعتمد أنَّ في دارهم سُكَّرة من عمله على خرستان، وهي باقية إلى سنة خمسين وست مئة، يتبرَّكون بها.

[ومنها ما حكاه لي الشيخ أبو عمر شيخ المقادسة ﵀ قال] (٥): كان نور الدين يزور والدي الشيخ أحمد في المدرسة الصَّغيرة التي على نهر يزيد المجاورة للدَّير، [ونور الدين بنى هذه المدرسة والمصنع والفرن، قال:] (٤) فجاء يومًا لزيارة والدي، وكان في سقف المسجد خشبة مكسورة، فقال له بعضُ الجماعة: يا نورَ الدِّين لو كشفت السقف وجدَّدته. فنظر إلى الخشبة وسكت، فلما كان من الغد جاء معماره ومعه خشبة صحيحة، فزرقها موضع المكسورة ومضى، فعجب الجماعة، فلما جاء


(١) الصِّيْد: جمع، مفرده الأصيد، وهو المائل العنق كبرًا وزهوًا، ويقال للملك، انظر "معجم متن اللغة": ٣/ ٥١٢.
(٢) إشارة إلى البيت:
تلك المكارم لا قعبان من لبن … شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
(٣) في (ح): فلما فتحه صلاح الدين حمل المنبر إليه، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٥) في (ح): وقال الشيخ أبو عمر ﵁، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).