للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الزِّيارة قال له بعضُ الحاضرين: يا نور الدِّين، فاكرتنا في كشف السقف. فقال: لا والله، وإنما هذا الشيخ أحمد رجل صالح، وإنما أزوره لأنتفع به، وما أردتُ أن أزخرف له المسجد، وأنقض ما هو صحيح، وهذه الخشبة يحصل بها المقصود، فدعوني مع حُسْن ظني فيه، فلعل الله ينفعني به.

[ومنها ما حكاه لي رجل صالح] (١) من أهل حرَّان بقُبَّة الشيخ حياة (٢) سنة خمس وستّ مئة، وكان قد نيف على التسعين سنة، قال: لما قُتِلَ أتابك زَنْكي على قلعة جَعْبر، وملك نورُ الدِّين قلعة حلب، تصدَّق وأزال المكوس، وردَّ المظالم، وأنا حديثُ عهد بعرس، وقد ركبني دينٌ، فقالت لي زوجتي: قد سمعتَ أوصاف نور الدِّين وإحسانه، فلو قصدته وأنهيتَ إليه حالك لقضى دينك، [قال]: (٣) فخرجت من حَرَّان، وليس معي سوى دِرْهمين، فتركتُ عندها دِرْهمًا، وتزوَّدْتُ بدرهم، وأتيتُ الفرات وقت القائلة، فعبرتُ جسر منبج، وأبعدتُ عن أعين النَّاس، وخلعت ثيابي ونزلتُ، فتوضأتُ للصَّلاة، وصليتُ رَكْعتين، وإذا إلى جانبي شخصٌ ملفوفٌ في عباءة، فقال لي: يا فقير من أين أنتَ؟ قلتُ: من حَرَّان، قال: وإلى أين؟ قلتُ: إلى حلب، قال: وما تصنع فيها؟ فقلتُ: أنا فقير ومديون، وقد بلغني إحسانُ نور الدِّين إلى الخَلْق، فقصدتُه لعلَّه يقضي ديني. قال: وأين أنت من نور الدِّين؟ ومَنْ يُوصلك إليه؟ كم عليك دين؟ قلتُ: خمسون دينارًا. فأخرج يده من العباءة وبحث الرمل، وأخرج منه قرطاسًا، وألقاه إليَّ، وقال: خُذْ هذا، فاقضِ به دينك، وارجعْ إلى أهلك، فأخذتُه، فعددته، وإذا به خمسون دينارًا، والتفتُّ فلم أره، فبهت وبت في مكاني أفكر: هل أرجع إلى حَرَّان أم أمضي إلى حلب؟ فترجَّح عندي المضي إلى حلب. وقلتُ في نفسي: فهذه أوفي بها ديني، فمن أين أتقوَّت؟ ثم قمتُ وقصدتُ طريق حلب، فبتُّ بباب بُزاعة، وقمتُ في الليل، فأصبحت تحت قلعة حلب [وقت الصباح] (٣) فصلَّيتُ وقعدتُ [تحت القلعة] (٣)، وإذا قد فُتح بابُها ونزل نور الدين في أُبَّهةٍ عظيمة والأُمراءُ بين يديه، حتى جاء إلى المَيدان، فلما أراد أن يدخل نظر إليَّ


(١) في (ح): قال المصنف ﵀: وحكى لي رجل من أهل حران، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) له ترجمة في "السير": ٢٣/ ١٨١ - ١٨٢، ووفاته سنة (٥٨١ هـ).
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).