للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومماليك، وكان تاجرًا، فلما وصل إلى نور الدين، ترجَّل وقبَّل الأرض. فرحَّب به نور الدين -وكان صديقه- وقال: أين أرمغان؟ قال: حاضر، ومضى نور الدِّين، فلما عاد استدعاه، فأحضر قُماشًا وعِدَّة مماليك وفيهم مملوكٌ مستحسنٌ جدًّا، فقَبِلَ المملوك ورَدَّ الباقي، فكان له خادمٌ أبيض اسمه سهيل قد رَبَّاه، فقال [له] (١): يا سهيل خُذْ هذا المملوك إليك، وادفعْ إلى التاجر خمس مئة دينار، وخِلْعة وبغلة.

قال والد شهاب: فحدَّثني سهيل، قال: لما قال لي كذا؛ قلتُ في نفسي: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا ما اشترى مملوكًا قطُّ يساوي خمسين دينارًا، يشتري مملوكًا بخمس مئة دينار! قال: ففعلتُ ما أمرني، فتركني أيامًا، وقال: يا سهيل، أحضرِ المملوك كل يوم [مع] (١) المماليك يقف في الخِدْمة. فأحضَرْتُه، فلما كان بعد أيام قال لي: أحضره وقت العِشاء الآخرة إلى الخيمة ونَمْ أنت وإياه على باب البُرْج، [قال] (١): فقلتُ في نفسي: هذا الشيخ في زمن شبابه ما ارتكب كبيرةً، لما ارتفع سِنُّه يقع فيها! والله لأقتلنَّه قبل أن يقع في معصية، فعمدت إلى كتارةٍ لي فأصلَحْتُها [وقلت: والله لأقتلنَّه قبل أن يصل إليه] (١) وجِئْتُ بالمملوك إلى الخيمة وأنا قَلِقٌ، فسهرت عامَّة الليل ونورُ الدِّين في أعلى البُرْج، فلما كان وقت السَّحر غلبتني عيناي، فنمتُ، ثم انقلبتُ، فوقعت يدي على خدِّ الغلام، وإذا به مثل الجمرة، قد أخذته الحُمَّى، فأخذته ومضيتُ إلى خيمتي، فلما أصبح، أحضرتُ الطَّبيب فرآه، فقال: هذا مرَضه سماويّ، فلما كان وقت الظُّهْر مات، فغسَّلْتُه وكفنته ودفنته، فلما كان اليوم الثَّاني، دعاني نور الدين فدخلتُ، فقال: اقعد. فقعدتُ، فقال: سهيل، إنَّ بعض الظَّنَّ إثم، [قال] (١)، فاستحييتُ، فقال: قد عرفتَ حالي وأنتَ ربَّيتني، هل عثرتَ لي على زَلَّة؟ قلتُ: حاشى لله، قال: فَلِمَ حملتَ الكتارة وحدَّثَتْك نفسُك لي بالسُّوء؟ ما أنا معصوم، لما رأيتُ الغلام وقَعَ في قلبي منه مثل النَّار، فعلِمْتُ أنَّه من تسويل الشيطان، فقلتُ لك اشتريه لعلي يُذْهب عني ما أنا فيه، فلم يذهب، فقالت لي نفسي: أريد أنْ أراه كلَّ يوم.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).