للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: هذه شناعةٌ قبيحة. فلم يلتفتا، فبعث إليهما صَنْدَل، فأغلظا له، وكان ظهير الدِّين بن العَطَّار صاحبَ المخزن، فبعث قطبُ الدِّين إلى الخليفة يقول: اعزله. فقال: بالأمسِ عَزَلْنا الوزير واليوم نعزل صاحبَ المخزن، فمن يقوم بخدمتنا؟ فركب قطبُ الدِّين وتتامش والعساكر، وأظهرا العِصْيان، وأغلقا أبوابَ دارِ الخليفة، وكان ابنُ العَطَّار ساكنًا في الدَّار، فقصدا داره، فهرب إلى باب الحجرة، فنهباها، وأحرقاها، فغضبَ الخليفةُ، وبعث أستاذ الدَّار وصَنْدَل في عسكرٍ لقتالهما، فاقتتل الفريقان على باب دار قطب الدِّين، فلم يقدر صَنْدَل عليه، فأرسل إلى الخليفة يستمدُّه، فصَعِدَ الخليفةُ على منظرة الرَّيحانيين، فظهر للنَّاس، وقد اجتمع أهل بغداد تحت المنظرة، وقال: يا أهلَ بغداد، أنا خليفتكم، وقد عصى عليَّ قيماز، وكَفَر نعمتي، وظَلَمَ رعيَّتي، واستحلَّ ما حرَّم الله تعالى، المالُ مالكم، والدَّم لي. فثارتِ العامةُ، وقصدوا داره ينادون: الخليفة يا منصور، وسمع قيماز الضَّجيج فقال: هذا الصِّياح لنا أو علينا؟ فقالوا: علينا. فقال: هلكنا وربِّ الكعبة. وحَمَلَ العوام على أصحابه فطحنوهم، وضربوا بواباته بقوارير النِّفْط، فأحرقوه، وأحرقوا جماعةً من أصحابه، ودخلوا داره، فهرب هو وتتامش من باب السِّرِّ في نفرٍ يسير، والعامةُ خلفهم بالآجُرِّ والنُّشَّاب والمقاليع، وعَبَرَا على عقد المصطنع، وهناك هَرَّاس يقال له ابن النجيل، فضرب قطبَ الدِّين بالمِغْرَفة، وقال له: يا مارق.

ودخلتِ العامَّةُ الدَّار، وكان قطبُ الدِّين قد بَسَطَ الأَنْطاع، وصبَّ عليها المال والجواهر واليواقيت وأطواق الذَّهب والخِلَع وأموالًا لم تكن عند الخلفاء ولا الملوك، فنهبوا الجميع بحيثُ إن العوام كانوا يدخلون المطبخ والقُدور بحالها، فيرمي الواحد في القدر المال في الأكياس، ويخرج بها، فاستغنى أهلُ بغداد، ونادى الخليفة آخر النَّهار برفع النَّهب، وعَزَلَ نساءهم وحُرَمَهم في دُور، ووكَّل بهم بعضَ الخدم يحفظهم ويقوم بأمرهم، وحَبَسَ الأمراء والجُنْد الذين وافقوهم، وأُخذت أموالهم.

وأما قطب الدِّين وتتامش فهربا إلى المَوْصل، فمات قطب الدِّين بظاهرها، وقيل بتل أَعْفر (١)، وغُسِّل في سقاية، ولم يوجد له كَفَن، وكان معه جماعةٌ من الأمراء؛


(١) وهي المعروفة بتل يعفر كذلك، بين سنجار والموصل، انظر "معجم البلدان": ٢/ ٣٩.