للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظَّاهر، وأمر دمشق إلى الأفضل، وأمر مِصْر إلى العزيز، وأقطع العادل إقطاعاتٍ كثيرةً بمصر، وجعله أتابك العزيز، وسيَّرهما إلى مِصْر.

وكان تقيّ الدِّين بمصر، وحكمه بين يدي الأفضل بمنزلة الوالي، وبلغه ما فعل السُّلْطان، وكان يظن أنه يستقلُّ بمِصْر، فشقَّ عليه، وكان غلامه قراقوش قد وصل إلى أطراف المغرب، فكتَبَ إليه يستدعيه، ويطمعه في ملك جديد، فجهَّز أمواله وأثقاله إلى الإسكندرية، وكَتَبَ إلى السُّلْطان يستأذنه، فشقَّ عليه، وخاف أن يتبعه أكثر العسكر إلى المغرب، فكتب إليه يعتبه ويوبخه، ويقول: سمحت بفراقي. ويستدعيه إليه، فما أمكنه مخالفته، ودخل العزيزُ والعادل القاهرة أول شعبان، وقَدِمَ تقيُّ الدين دمشق سَلْخ شعبان، وتلقَّاه السُّلْطان، وأعاد ما كان بيده من البلاد وحماة والمعرَّة ومنبج، وأضاف إليه ميَّافارِقين، وثنى عزمه عن المغرب.

وسار يوزبا مملوك تقيّ الدِّين إلى المغرب، فلقيه صاحب المغرب فأسره، ثم أطلقه، وبعث به إلى بعض الثغور، فأبلى بلاءً حسنًا، فقدَّمه على العساكر.

وفيها ظهر الخلاف بين الفرنج، وتفرَّقت كلمتهم، وكان ذلك سببًا لسعادة الإسلام، وكان السبب أن ريمند بن الصنجيل قومص طرابُلُس رَغِبَ إلى مصافاة السُّلْطان، وكان قد تزوَّج الست صاحبة طبرية، وكان المُلْك في أخيها المجذوم (١)، فلما احتُضر أوصى بالملك لابن أخته وهو صبيٌّ صغير، فلما تزوَّج القومص أُمَّه رباه، وماتَ الصَّبي، فانتقل المُلْك إلى أُمِّه، على قاعدتهم في ذلك، فظن القومص أنَّ زوجته تفوِّض الأمر إليه، فمدَّت عينها إلى بعض الخيَّالة، واجتمعوا في القُدْس، فقامت بين الصَّفَّين وبيدها تاج الملك لتضعه على رأس من يستحق المُلْك، فتركتِ الملوكَ والخيَّالة، ووضعته على رأس الذي مدَّت عينها إليه، وملَّكَتْه طمعًا أن تتزوجه، فناصبها القومص والأكابر العداوة، ولم يرضوا بذلك، وأوقع الله بأسهم بينهم.


(١) هذا من الأوهام، إذ إن أخت الملك المجذوم وهو بلدوين الرابع هي سبيللا، وهي التي تولت المملكة من بعد، أما زوجة ريمند فهي إيشيفابور، انظر: "تاريخ الحروب الصليبية" لرنسيمان: ٢/ ٦٥٢ (الترجمة العربية).