للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غلافٍ من ذهب، [وهو عند النصارى مثل المسيح]، والذي أَسَرَ الملك دِرْباسُ الكُرْدي، والذي أسر إبرنس الكرك إبراهيمُ غلام المِهْراني، فلما رآهم السلطان [نزل، وسجد شكرًا لله تعالى، وجاء إلى خيمته، فاستدعاهم، فجلس الملك عن يمينه، وإبرنس الكرك إلى جانب الملك، ونظر السلطان] (١) إلى الملك وهو يلتهب عَطَشًا، فأمر له بقدح من ثَلْج وماء، فشربه وسقى الإبرنس، فقال له السُّلْطان: ما أَذِنْتُ لك في سَقْيه، فلِمَ سقيته؟ وكان السُّلْطان [قد] (١) نذر أن يقتل الأبرنس بيده، فقال له: يا ملعون، يا غدَّار، حلفتَ وغدرتَ ونكثتَ، وجعل يعدِّدُ عليه غدراته، ثم قام إليه فضربه بالسَّيف حَلَّ كتفه، وتمَّمه المماليك، وقطعوا رأسه، وأطعموا جُثَّته الكلاب، فلما رآه الملك قتيلًا خاف، وطار عقلُه، فأَمَّنه السُّلْطان، وقال: هذا غدَّار كذَّاب، غَدَرَ غير مرَّة.

ثم عَرَضَ السُّلْطان الإسلام على الدَّاوية والإسبتار، فمن أسلم منهم استبقاه، ومن لم يُسْلم قتله، فقتل خَلْقًا عظيمًا، وبعث بباقي الملوك والأسارى إلى دمشق إلى الصَّفي ابن القابض، فاعتقل الأعيان في القلعة، وبِيعَ الأسارى بثمنٍ بخس، حتى باع بعضُ الفقراء أسيرًا بنَعْلٍ، فقيل له: هذا ثمن بخس. فقال: أردتُ هوانهم. [ودخل القاضي ابن أبي عصرون] (١) دمشق، وصليب الصَّلبوت منكسًا بين يديه.

وعاد السُّلْطان إلى طبرية، وأمن صاحبتها، فخرجت بنفسها ومالها إلى عكا، وولَّى طبرية قَيماز النَّجْمي.

وأما القومص، فإنَّه خرج من صفد إلى طرابُلُس، فماتَ بها، فقيل: إنَّه مات من جراحاتٍ كانتْ به، وقيل: إنَّ امرأته سمَّته، وقالت: هذا كان سببًا في هلاك دين النَّصرانية.

وأكثر الشعراء في هذه الوقعة، فقال العماد الكاتب: [من الطويل]

حَطَطْتَ على حِطِّينَ قَدْرَ مُلُوكِهِمْ … ولم تُبْقِ من أجناس كُفْرِهُمُ جِنْسا

بطونُ ذئابِ الأَرْض صارت قبورَهُمْ … ولم تَرْضَ أرضٌ أنْ تكون لهم رَمْسا

وقد طابَ رَيَّانا على طَبَرِيَّةٍ … فيا طِيبَها رِيًّا ويا حُسْنَها مَرْسى


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).