للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخادم يشرح مِنْ هذا الأمر والفتح العظيم والنَّصْر الكريم ما يَشْرَحُ به صَدْرَ المؤمنين، ويسوء وجوه الكافرين، ويورد من البُشْرى ما أنعم الله به من يوم الخميس الثَّالث والعشرين من ربيع الآخر إلى يوم الخميس سَلْخه، وتلك سبع ليالٍ وثمانية أيام حُسُومًا (١)، عَدِمُوا فيها نفوسًا وجُسُومًا، فأصبحوا قد هَوَوْا في الهاوية ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاويَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] وأصبحت البلاد إلى الإسلام ضاحكة، كما كانت بالكُفْر باكية، ففي يوم الخميس الأَول فُتِحَتْ طبرية، ويوم الجُمُعة والسبت كانت الكسرة التي ما أبقت منهم بقية، ولا يقوم لهم بعد قائمة ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ [هود: ١٠٢] وفي يوم الخميس سَلْخ الشهر فتحت عكَّه بالأمان، ورفعت بها أعلام الإيمان، وهي أُمُّ البلاد، وأُخت إِرَم ذاتِ العماد، وصليبُ الصَّلبوت عندنا مأسور، وقلب الكُفْر الأسير بجيشه المكسور مكسور، وأنصار الصَّليب وأعوانه قد أحاطت بهم يد القَبْضة، وغَلِقَ رَهْنه فلا يقبل فيه القناطير المقنطرة من الذَّهب والفِضَّة، وطبرية قد رُفعت أعلامُ الإسلام عليها، ونَكَصَتْ من عكه مِلَّةُ الكُفْر على عَقِبيها، وعُمِّرت حتى شَهِدَتْ يوم الإسلام، وهو خيرُ يوميها، وصارت البِيَعُ مساجدَ يَعْمُرها من آمنَ بالله واليوم الآخر، وصارت المذابحُ مواقفَ لخطباء المنابر.

وعَدَّ الحصونَ التي فُتِحَتْ، وقال في آخر الكتاب: وما يتأخَّر النهوض إلى بيت المقدس، وهذا أوان فَتْحه، وقد دامَ عليه ظلامُ الضَّلال، وقد آن [أن] (٢) يُسْفِرَ فيه الهُدَى عن صُبْحه، والسَّلام.

[ذكر ما فتح السُّلْطان في هذه السنة من بلاد الفرنج بعد طبرية وعكا:

لما فتح عكا] (٢) سار السلطان إلى تِبْنين، فتسلَّمها بالأمان، وتسلَّم صيدا، وبيروت، وجُبيل، وغَزَّة، والدَّاروم، والرَّمْلة، ويُبْنى، وبيت جبريل، والخليل ﵇، ونازل عسقلان، فَقُتِلَ عليها حسام الدين المِهْراني، ثم تسلَّمها، فكان بين أَخْذِ الفرنج لها وبين خلاصها منهم خمسٌ وثلاثون سنة، لأنَّهم ملكوها في جُمادى


(١) الأيام الحسوم: الدائمة في الشر خاصة، والحسوم: الشؤم، وأيام حسوم: وضعت بالمصدر: تقطع الخير أو تمنعه، وقيل: المتوالية في الشر. "اللسان" (حسم).
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).