للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعُبَّاد الصَّليب والشَّمْس، وأخرج أهل [يوم] (١) الجمعة منه أهل [يوم] (١) الأحد، وقَمَعَ مَنْ كان يقول بالتَّثليث أهل ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، وقد فتح الخادم بحمد الله من الدَّاروم إلى طرابُلُس، وجميع ما حَوَتْ مملكة الفرنج إلى نابُلُس.

وذكر في "الفَتْح القسِّي" كلامًا في هذا المعنى، فقال: وغُسلت الصَّخرة بدموع الباكين من المؤمنين، ونُزِعَ لباسُ البأس عنها بإفاضةِ ثوب المُحْسنين، ورَجَعَ الإسلام الغريب منه إلى داره، وطلع قمرُ الهدى به من سِرَاره، وعادتِ الأرضُ المقدَّسة إلى ما كانت عليه من التَّقديس، وأُمنت المخاوف فيها وبها، فصارت صباح السُّرى ومناخ التَّعْريس، وأُقصي من المسجد الأقصى الأقصون من الله الأبعدون، وتوافد إليه المُصْطَفَوْن المقرَّبون، وخَرِسَ النَّاقوس بزَجَلِ (٢) المسبِّحين، وخَرَجَ المُفْسدون بدخول المُصْلحين، وقال المحرابُ لأهله: مرحبًا وأهلًا، وشمل جماعة المسلمين ما جَمَعَ الله لهم فيه شَمْلًا، ورُفعت الأعلامُ الإسلامية على منبره، فأخذت من بِرِّه أوفى نصيب، وتلَتْ بألسنة عِزِّها ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف: ١٣] وغُسلت الصَّخرة بدموع المتَّقين من دَنَس الكافرين، وبَعُدَ أهلُ الإلحاد من قُرْبها بقُرْب الموحِّدين، وذُكر بها ما نُسي من عهد المعراج النَّبوي والإعجاز المحمَّدي، وعاد الإسلامُ بإسلامِ البيت المقدَّس إلى تقديسه، ورجع بُنْيانه من التَّقوى إلى تأسيسه.

[وذكر العماد فصولًا في هذا المعنى] (١).

وفي شعبان سار السُّلْطان إلى صور، فوصلها غُرَّة رمضان، فوجدها مدينة حصينة؛ وهي في البحر مثل السَّفينة، والبحر محيطٌ بها من جوانبها، وليس لها طريقٌ إلى البر إلا من كان في القدس من مكان واحد فيه سبعة أبراج، وفيها المركيس، وكان شجاعًا حازمًا، وقد انضوى إليه جميعُ مَنْ كان في القُدْس والسَّاحل من الفرنج، وأقام السُّلْطان ينتظر الأُسطول من مِصْر، فوصل فقاتلهم في البر والبحر، واتَّفق أَن الأُسطول غَفَلَ ليلةً، فكبسه الفرنج، فأخذوا المراكب، ورمى بعضُهم نفسه في البحر فغرق، فتأخَّر السُّلْطان إلى سَلْخ شوَّال.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) الزجل: رفع الصوت. "اللسان" (زجل).