للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيرها، وأن صلاح الدين لما توجّه إلى الشرق استنابه بالشام،] (١)، وله المواقفُ المشهورة في الغزوات، وحَضَرَ حِطِّين والقُدْس، وعكّا، وفتوح السّاحل، فلما دنا موسمُ الحج سأل السُّلْطانَ أن يحج [ليجمع بين فضيلتي الحج والجهاد] (١)، فأَذِنَ له على كُرْهٍ من مفارقته، فلما وصل إلى عرفات أراد أن يرفعَ علمَ صلاحِ الدِّين على الجبل، ويضربَ الطَّبْل، فمنعه طاشْتِكِين، وقال: هذا موضعٌ لا يُرْفَع فيه إلا عَلَمُ الخليفة. فقال ابنُ المقدَّم: فالسُّلْطان مملوك أمير المؤمنين، ونحن مماليك السُّلْطان. فمنعه طاشْتِكِين، فأمر ابنُ المقدَّم غِلْمانَه، فأطلعوا العلم، فنكَّسوه، فركب ابنُ المقدَّم ومَنْ معه من الشَّاميين، وركب طاشْتِكِين والعسكر، واقتتلوا، وقُتِلَ من الفريقين جماعة، ورمى مملوكُ طاشْتِكِين ابنَ المقدم بسهمٍ، فوقع في عينه، فخرَّ صريعًا، وجاء طاشْتِكِين، فحمله إلى خيمته، وحمله إلى مِنى، فتوفِّي يوم الخميس يوم عيد [الله] (١) الأكبر، وصُلِّي عليه بمسجد الخَيف، ونُهِبَ الحاج الشَّامي، وأقاموا بمِنى ومكة على أسوأ حال، ودُفِنَ شمس الدين بالمَعْلَى.

وقال العماد الكاتب: وَصَلَ شمسُ الدِّين إلى عرفات وما عرف الآفات، وشاع وصوله، وضُرِبَتْ طُبوله، وجالت خيوله، وخَفَقَتْ أعلامُه، وضُربت خيامه، فغاظ ذلك أمير الحاج العراقي طاشْتِكِين، فركب في أصحابه وأحزابه، فأوقع بشمسِ الدين وأترابه، وكان رَفْعُ العَلَمِ وضَربُ الطَّبْل من أوكد أسبابه، وقُتِلَ جماعةٌ من حاج الشام، وجُرحوا، وهُتكوا وافتُضِحوا، ونقل طاشْتِكِين شمسَ الدِّين إلى خيمته وهو مجروح، وفيه رُوح، وحمله معه إلى مِنى، فقضى ودفن بالمَعْلَى، وارتاع طاشْتِكِين لما اجترمه، ولم يراقبِ الله وأحلَّ حَرَمَه، وأخذ [طاشْتِكِين] (١) شهادة الأعيان أنَّ الذنب لابنِ المقدَّم، وقُرِئَ المحضر في الدِّيوان، ولما بلغ السُّلْطان مَقْتَلُه بكى بكاء عظيمًا، وحَزِنَ حُزْنًا كبيرًا، وقال: قتلني الله إنْ لم أنتصر له. وتأكدتِ الوَحْشة بينه وبين الخليفة، وجاءه رسولٌ يعتذر، فقال: أنا الجواب عمّا جرى (٢). ثم اشتغل بالجهاد.


(١) ما بين حاصرتين من (م).
(٢) انظر: "الفتح القسي": ١٨٨ - ١٨٩.