للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسار السُّلْطان إلى حلب مودِّعًا لعماد الدين زَنكي، فودَّعه، وقدَّمَ له من التُّحَف والألطاف والخيل العِتاق والثياب [الفاخرة] (١) ما حيَّره، وكذا فعل بمُظَفَر الدين ابن زين الدين والأمراء، وبات [السلطان] (١) بحلب ليلةً واحدة، وعاد طالبًا دمشق، ومعه مهنَّا أمير المدينة [وكنيته أبو فَلِيتة] (١)، وكان ميمون النَّقيبة، مبارك الطَّلْعة، [وكان السلطان قد تيمن بطلعته] (١)، ما حضر مع السُّلْطان بلدًا إلا فتحه، وكان تقيّ الدين بحماة، فأصْعَدَ السُّلْطانَ إلى القلعة، وكان تَلُّها قصيرًا، فرفعه تقي الدِّين، وعمرها العمارة الوثيقة، فأعطاه جَبَلَة واللاذقية مضافًا إلى حماة، وكان السُّلْطان قد جعل طريقه على المَعَرَّة، فزار عمر بن عبد العزيز ، والشيخ أبا زكريا المَغْربي، ثم دخل دمشق في رمضان.

وفي رمضان وَصَلَ وزيرُ الخليفة ابن يونس إلى بغداد من كسرة [السلطان] (١) طغريل، وكان الخليفة قد كتب إلى بكتمر صاحب خِلاط ليطلبه من طغريل، وكان قزل أخو البهلوان قد حشد [وجمع] (١)، والتقى طغريل على هَمَذان، فانهزم طغريل إلى خِلاط، ومعه ابنُ يونس، فأنكر عليه بكتمر ما فعل بالوزير وعسكر الخليفة، فقال: هم بدوني وبغوا عليَّ، والبادي أظلم. فقال له: أطلقِ الوزير. فلم يمكنه مخالفته، فأطلقه، فبعث إليه بكتمر الخيل والبغال والمماليك والخدم، فردَّ الجميع، وأخذ بغلين ببرذعتين، فركب هو واحدًا وغلامه الآخر، ولبس الطرطور كأنَّه صوفي، ووصل إلى المَوْصل مع قافلةٍ، وعَلِمَ به صاحبُ المَوْصل، ففعل معه فعل بكتمر، فلم يأخذ شيئًا وقال: أريد سفينة. فأعطاه [سفينة] (١)، فنزل فيها إلى بغداد، وصَعِدَ إلى منزله، ولم يشعر به أحد، وعلم الخليفة، فأنكر على الوزير ابنِ حديدة حيث لم يعلم بوصوله، وكان ذلك أول ما أُخذ على ابن حديدة.

وفي ثامن عشرين رمضان عُزل اسفنديار عن كتابة الإنشاء، ورُتب مكانه أبو الفضل بن القَصَّاب، وخُلِعَ عليه، ولقِّب مؤيَّد الدين، [قال ابنُ القادسي] (١): كان اسفنديار من أهل العِلْم والدِّين، فلما ولي لَبِسَ الحرير، وتختَّم بالذهب، وكان يركب في غير شيء، ويدخل في درب درب ليصاح بين يديه: بسم الله، بسم الله.


(١) ما بين حاصرتين من (م).