للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبد خدمته [هذه] (١)، وصَدْرُه معمورٌ بالولاء، وقلبه مغمور بالصَّفاء، ويده مرفوعة إلى السَّماء، للابتهال إلى الله بالدُّعاء، ولسانه ناطِقٌ بشكر النَّعْماء، وحياته بين الخوف والرَّجاء، وطرفه مغضٍ من الحياء، وقد أحاطت العلوم الشَّريفة أَنَّ الخادم والده أيام حياته كان باذلًا نفسه لله تعالى، والبيت المقدس من فتوحاته، وأنه مَلَكَ ملوك الشِّرْك، وغلَّ أعناقها، وأَسَرَ طواغيت الكُفْر وشدَّ خِناقها، وجَمَعَ كلمةَ الإيمان وعَصَمَ جَنَابها، وقمع عبدةَ الصُّلْبان وقَصَمَ أصلابها، وسدَّ الثغور، وسدَّد الأمور، وما فارق الدُّنيا إلا وهو ملازمٌ الخِدْمة الإمامية، والنَّبْعة النَّبوية، وتحت أحكامها داخل، وبمتجرها الرَّابح إلى دار الإقامة راحل، وإنْ كان قد مضى الوالد على طاعة إمامه، فأولاده وإخوته قائمون في مقامه. وذكر فصولًا في طلب التَّقليد.

وبعث الظَّاهر القاضي ابنَ شَدَّاد بكتابٍ يسأل تقريره على حلب وأعمالها، فقيل لابن الشَّهْرُزُوري وابنِ شَدَّاد: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم: ٤] فرجعا بالوَعْد لا بالنقد.

وأما العادل، فإنَّ المشارقة ثاروا عليه، واستشار عِزُّ الدين صاحبُ الموصل أصحابَه، فأشار عليه المجد ابن الأثير بالخروج، وأشار عليه مجاهد الدين قيماز بالقيام لتظهر حقائق الأمور، ويراسل جيرانه ابن زين الدين صاحب إرْبل، وسنجرشاه صاحب الجزيرة، وعماد الدين صاحب سِنْجار، فراسلهم، فلم يجبه منهم أحدٌ إلا أخوه عماد الدين صاحب سِنْجار، وخَرَجَ عِزُّ الدين من المَوْصل، واجتمعا على نَصِيبين [ليأخذا بلاد الجزيرة] (١)، وكان العادل على حَرَّان، فاستنجد بأولاد أخيه، فجاءته عساكرُ الشَّام ومِصْر، ومَرِضَ عِزُّ الدين على نَصِيبين بالإسهال، وتقدَّم [إلى] (٢) دُنَيْسر، وبَعَثَ إلى العادل يسأله الصُّلْح على أن يكون العادل نائبه في البلاد، فأبى العادل، وقوي الإسهال بعز الدين، فرجع إلى المَوْصل، فتوفي في شعبان، وقد ذكرناه.


(١) ما بين حاصرتين من (م).
(٢) ما بين حاصرتين زيادة من عندنا يقتضيها السياق.