للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الثالثة والتسعون وخمس مئة]

فيها قدم حسام الدِّين أبو الهيجاء السَّمين بغداد، وخَرَجَ الموكب للقائه في زِيٍّ عظيم، رَتَّب الأطلاب على ترتيب الشَّام، وكان في خِدْمته عِدَّةٌ من الأمراء، منهم ولدا أخيه عز الدين كر والغرس، وأول ما تقدَّم طُلْب كر والغرس، ثم أمير أمير، وجاء هو بعد الكُلِّ في العُدَد الكاملة والسِّلاح التَّام، وخَرَجَ جميعُ من ببغداد للقائه، وكان رأسه صغيرًا، وبطنه كبيرًا جدًّا، بحيث كان على رقبة البغلة، وكان قد رآه عند الحَرْبية رجلٌ كوَّاز، فعمِلَ في ساعته كوزًا من طين، وسبقه فعلَّقه في السُّوق، فلما اجتاز به ضَحِكَ، وعمل بعد ذلك أهل بغداد كيزانًا، وسمُّوها أبا الهيجاء السمين [على صورته] (١)، وأنزله الخليفة بدار العميد غربي بغداد بعد أن عَبَرَ إلى الجانب الشَّرْقي، وقبَّل عَتَبَة باب النوبي، وأكرمه الخليفة، وقام له بالضِّيافات، ثم أمره أن يجرِّد جماعةً من أصحابه مع عسكر الخليفة إلى هَمَذَان، فجرَّد جماعةً، فلما بَعُدوا عن بغداد نهبوا خزانة الخليفة، وقتلوا جماعةً من عسكره، ومَضَوْا إلى المَوْصل والجزيرة، وعاد عسكرُ الخليفة إلى بغداد وقد جُرحوا، فنقله الخليفةُ إلى دارٍ عند النِّظامية بالجانب الشَّرْقي كانت لمجير الدين أبق سُلْطان دمشق، ووكَّل به، ثم خَلَعَ عليه بعد ذلك الجُبَّة والفَرَجية والعِمامة السَّوداء والقَبَاء الأسود، وبين يديه الخيلُ بمراكب الذهب [، وقد شاهدته وأنا صغير في هذه السنة] (١)، وأعطاه الأموال والرِّجال، وسار إلى هَمَذَان.

وفيها انقضتِ الهُدْنة التي كانت بين صلاح الدين والفرنج، فقصدوا بيروت وبها سامة الجِيلي، فهرب واستولى الفرنج عليها، فقال بعضُ الدِّمَشْقيين (٢): [من الخفيف]

سَلِّمِ الحِصْنَ ما عليك ملامَهْ … ما يُلامُ الَّذي يرومُ السَّلامَهْ

إنَّ أَخْذَ الحصونِ لا بقتالٍ … سُنَّةٌ سنَّها ببيروتَ سامَهْ

أبعد الله تاجرًا سَنَّ ذا البـ … ـيع وأخزى بخِزْيه مَنْ سامَهْ


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) الصواب أن قائل هذه الأبيات قالها في أثناء حصار الفرنج لحصن تبنين، وهو الَّذي أشار إليه الشاعر بقوله: سَلَّم الحصن، انظر "الروضتين": ٤/ ٤٤١.