للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُبَّة النَّسْر وخسف بالكلَّاسة، وتهدَّمت بانياس، وهُونين، وتبْنين، وخَرَجَ قومٌ من بَعْلَبَكَّ يجنون الرِّيباس (١) من جبل لبنان، فالتقى عليهم الجبلان، فماتوا بأَسْرهم، وتهدَّمت قلعة بَعْلَبَك مع عِظَمِ حجارتها، ووثيق عمارتها، وامتدَّت إلى حِمْص وحماة وحلب والعواصم، وقطعت البحر إلى قبرس، وانفرق البحر فصار أطوادًا، وقذف بالمراكب إلى السَّاحل فتكسَّرَتْ، ثم امتدَّت إلى خِلاط وأرمينية وأَذْرَبيجان والجزيرة. وأُحصي مَنْ هلك في هذه السنة على وجهِ التقريب، فكانوا ألف ألف [إنسان] (٢) ومئة ألف إنسان، وكان قوة الزلزلة في مبدأ الأمر بمقدار ما يقرأ الإنسان سورة الكهف، ثم دامت بعد ذلك أيامًا.

[فقال بعض البلغاء: أما بعد، فإنه لما حدث بمدن الشام حادث الزلازل، ووجد في أكثرها من عظم البلايا والبلابل، حتَّى طبقت من أرض الجزيرة إلى بلاد الساحل، وهدمت الحصون والمعاقل، وأخربت ما لا يحصى من الدور والمنازل، وسوت الأعالي من البنيان بالأسافل، وأوحشت من أهلها المجالس والمحافل، وشدخت كثيرًا من الهام بالجنادل، وفصلت بين الأعضاء والمفاصل، وأبانت من الأقدام والأكف الأنامل، فأدبر القطان من الأوطان إدبار النعام الجافل، وخلا كثير من السكان في الموارد والمناهل، وكثَّرت في الدنيا اليتامى والأرامل، وأمرضت قلوب الفاقدات، وأرمضت عيون الثواكل، وأجهضت كثيرًا من الحوامل، ووضعت الطيور لهولها ما في الحواصل، فكان ما حدث منها عبرة للبيب العاقل، وحجة على المُصِرِّ الغافل، وتنبيهًا على إخلاص التوبة من المغافل، وإزعاجًا للمتباطئ عن الطاعة والمتثاقل، وما ظلم الله عباده بإهلاك النسل والناسل، ولكنهم لما تعاموا عن الحق، وتمادوا في الباطل، وأضاعوا الصلوات، وعكفوا على الشهوات والشواغل، وأهدروا دم المقتول، وأَرْشوا في دم القاتل، وارتكبوا الفجور، وشربوا الخمور، وانتشر فسقهم في القبائل، وأكلوا الربا والرّشا، وأموال اليتامى وهي شر المآكل،


(١) نبت كانوا يتداوون به من الحصبة. "القاموس المحيط" (ربس).
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).