للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقام حسان بن ثابت، فقال: والله أنا أشعرُ منها ومنك ومن أبيك. فقال النابغة: حيث تقول ماذا؟ فقال: حيث أقول: [من الطويل]

لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحى. . . وأَسْيافُنا يَقْطُرْنَ من نَجْدَةٍ دَما

وَلَدْنا بَني العَنْقاءِ وابنَي مُحَرِّقٍ. . . فأكرِمْ بنا خالًا وأكرِم بنا ابْنَما (١)

فقال له النابغة: يا بُنيَّ إنك قلت: الجفنات فقلَّلت عددك، ولو قلت: الجفان كان أولى، وقلت: يلمعن بالضّحى، ولو قلتَ: في الدُّجَى، كان أبْلَغ، لأن الضِّيفانَ يكْثُرن في الليل، وقلتَ: يقْطُرن. ولو قلتَ: يجرين، لكان أكثر للدم، وفَخَرْتَ بمن ولدْته، ولم تَفْخَر بمن ولَدَك (٢).

وكسرى أبرويز هو الذي قتل النُّعمان بن المنذر، وسببُ قتله أنه قتلَ عَدِيَّ بنَ زيدٍ ابن حِمار بن أيوب (٣)، وكان يسكن الحيرة، وكان عديٌّ نصرانيًا، وكان منزلُ جدّه أيوب بن مَحروف باليمامة، في بني امرئ القيس بن زيد مَناة، فأصاب دمًا باليمامة فهرب، فنزل الحيرة على أوس بن سلام (٤) أحد بني الحارث بن كعب، وكان بين أوسٍ وأيوبَ نسبٌ من قِبَل النساء، فأنزله أوس وأكرمه، وأقام عنده مدة ثم ماتا.

ونشأ زيد أبو عَديّ، وتعلَّم الكتابة ووُلد له عَديّ، فعلَّمه الكتابة، فخدم كسرى وأَنفق عليه، وكان يكتب له، وكان ذلك في زمان المنذر، فجعل المنذرُ ابنَه النعمان في حِجْر عَديّ بنِ زيد، وتزوّج عَديّ هندًا بنت النعمان، ومات المنذر، فأشار عَديّ على كسرى بتولية النعمان دون إخوته، وكان أصغرهم، فغضب الأسودُ بنُ المنذر أخو النعمان وأهلُه على عَديّ، واحتالوا وتَوصَّلُوا إلى النعمان، ووشَوْا بينهما، وقالوا: إن عديًّا يقول: إنما النعمان عاملٌ من قِبَله. فحبسه، وأطال حبسه، فكتب إليه عدي من الحبس يقول: [من الرمل]

أَبلغِ النُّعْمانَ عني مَألَكًا. . . أنّه قد طال حَبسي وانتظاري


(١) ديوانه ص ٢٢١.
(٢) انظر الأغاني ٦/ ١١، وخزانة الأدب ٨/ ١١٢ - ١١٣.
(٣) في النسخ: حماد بن أيوب، والمثبت من طبقات فحول الشعراء ١/ ١٣٧، وانظر حاشيته لزامًا.
(٤) في الأغاني ٢/ ٩٨: قلّام.