للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لو بغير الماءِ حَلْقي شَرِقٌ … كنتُ كالغَصَّانِ بالماءِ اعْتِصارِي

وعُداتي شُمَّتٌ أَعجبَهم … أنَّني قد غِبْتُ عنهم في إساري

فلَئِن دهرٌ تَولَّى خيرُه … وجرت لي منه بالنحس جوار

رُبَّما منه قَضينا حاجةً … وحياةُ المرءِ كالشَّيءِ المُعارِ (١)

ومدحه بقصائد كثيرة فلم تغن عنه شيئًا.

وبلغ كسرى حبسُ النعمان لعَديّ، فبعث إليه يتوعَّدُه ويتهدَّده، ويأمرُه بإطلاقه. فأشار أعداءُ عديّ على النّعمان بقتله، فغمّوه في ليلة، فلمَّا وصل رسولُ كسرى إلى النعمان يطلبُ عديًّا، أمره أن يذهب إلى الحبس ويُخرجه، فجاء فوجده ميتًا، فقالوا: مات البارحة. فعاد الرسول إلى كسرى فأخبره، فتَغَيَّظ وقال: قتلني الله إن لم أقتلْه. وكان في قلبه منه من يوم طلب منه فَرسَه اليَحْموم لينجو عليه، فمنعه النعمان منه (٢).

ثم إن النعمان ندم على قتل عدي، وأحضر ابنه زيدًا، واعتذر إليه، وجهَّزه إلى كسرى، وكتب معه كتابًا: إن عديًا كان ممن أُعين به في المُلك، وقد انقضت مُدّتُه، ولم يُصَبْ به أحد أَشَدَّ من مصيبتي به، وقد بلغ له ابنٌ وليس بدونه، فإن رأى المَلك أن يجعله مكان أبيه فعل.

فلما حضر زيد عند كسرى أُعجب به، وسأله عن النعمان فأثنى عليه، وأقام زيدٌ يُعْمِلُ الحيلةَ في قتل النعمان، فما زال حتى قتله، لما نذكر.

وكان النعمان يعبد الأوثان، فلم يزلْ به عَديّ حتى نَصَّرَه؛ خرج يومًا معه إلى الصيد، فمرا بمقبرة، فقال له عَديّ: أيها الملكُ أتدري ما يقولُ أهلُها؟ قال: لا. قال: إنهم يقولون: [من الرمل]

رُبَّ رَكْبٍ قد أَناخوا حولَنا. . . يَشربون الخَمْرَ بالماءِ الزُّلالِ

ثمّ عادوا عَصَفَ الدَّهرُ بهم. . . وكذاك الدَّهرُ حالًا بعد حالِ

فقال له النّعمان: إنَّ هؤلاء لا ينطِقُون فما الذي أَردْتَ؟ قال: أردتُ وَعْظَك، وأن ترجعَ عن عبادةِ الأوثان إلى عبادةِ الرحمن، وتدينَ بدين المسيح. فتنصَّرَ النعمان (٣).


(١) انظر العقد الفريد ٥/ ٢٦١، والأغاني ٢/ ١١٤.
(٢) سلفت القصة ص ٤٤٠ من هذا الجزء.
(٣) انظر الأغاني ٢/ ٩٦، ١٣٤.