للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقام يومًا إلى الوضوء، فحل حياصته، وتركها موضعه، ودخل ليتوضأ، وكانت الحياصة تساوي خمس مئة دينار، فسرقها الفَرَّاش وهو يشاهده، فلما خرج طَلَبَها فلم يجدْها، فقال أستاذ داره: اجمعوا الفَرَّاشين، وأحضروا المعاصير. فقال له طاشْتِكِين: لا تضرب أحدًا، فالذي أخذها ما يردُّها، والذي رآه ما يغمز عليه. فلما كان بعد مدَّة رأى على الفَرَّاش [الذي أخذ الحياصة] (١)، ثيابًا جميلة وبِزَّة ظاهرة، فاستدعاه سرًّا، وقال له: بحياتي، هذه من ذيك؟ فخجل، فقال: لا بأس عليك، فاعترف، فلم يعارضه.

وكان قد جاوز تسعين سنة، فاستأجر أرضًا وَقْفًا ثلاث مئة سنة على جانب دِجْلة ليعمرها دارًا، وكان في بغداد رجلٌ محدِّث في الحِلَق يقال له: فتيحة [المحدِّث،] (١) فقال: يا أصحابنا، نهنئكم، ماتَ ملكُ الموت. قالوا: وكيف؟ قال: طاشْتِكِين عمره مقدار تسعين سنة، وقد استأجر أرضًا ثلاث مئة سنة، فلو لم يعلم أَن ملك الموت قد مات ما فعل هذا. فتضاحك النَّاس.

وكانت وفاته بششتر، وأوصى إلى أن يحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي ، فحمل في تابوت، فدفن فيه، رحمه الله تعالى.

مسعود سعد الدين صاحب صفد وممدود بدر الدين شِحْنة دمشق (٢)

ابنا الحاجب مبارك بن عبد الله، وأمهما أم فَرُّخْشاه بن شاهنشاه بن أيوب، وأختهما لأُمهما ست عذرا؛ صاحبة المدرسة المجاورة لقلعة دمشق، وأمهم من المُنَيْطرة، وكانا أميرين كبيرين، لهما مواقفُ كبيرة مع صلاح الدين، وتقدَّمت وفاة [بدر الدين] (١) ممدود، فإنَّه مات بدمشق يوم الأحد خامس شهر رمضان، وتوفي [سعد الدين] (١) مسعود بصفد يوم الاثنين خامس شوَّال، بينهما شهر، [وحزن الناس عليهما] (١).


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) لهما ترجمة في "المذيل على الروضتين": ١/ ١٧٢، وفيه تتمة مصادر ترجمتهما.