للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِلَّة وفائك. فقال الحارثُ: الحِلم مع القُدرةِ، فلْتُشبه أفعالُك مجلسَك. فقال كسرى: هذا فتى القوم.

ثم قام قيسُ بن مسعودٍ فقال: أطاب الله لك المَراشِد، إنا لم نَقدم عليك لمُساماة، ولم نَنتسب لمُعاداة، ولا لنُسمِعَك ما يُخشن صَدرَك، وَيزرع لنا الحقدَ في قلبك، ولكن لتعلم ومَن حضرك من الوفود أنا في المَنطق غيرُ مُفحَمين، وفي البَأس غير مُقَصرين، إن جُورينا فغيرُ مسبوقين، وإن سومينا فغيرُ مغلوبين.

فقال له كسرى: غير أنكم إذا عاهدتُم غيرُ موفين، يُعرِّض به في تركه الوفاء بضمانه السَّواد، فقال قيس: ما كنتُ في ذاك إلا كوافٍ غُدِر به.

ثم قام خالد بن جعفر فقال: أَرشدَ اللهُ المَلك إرشادًا، وزاده إسعادًا. إن لكلِّ مَنطقٍ فُرْصةً، ولكلّ جابَةٍ (١) غُصّة، وعِيُّ المنطق أشدُّ من عيِّ السُّكوت، وعِثار القول أنكى من عِثار الوَعْث، وقد أوفَدَنا إليك ملكُنا النّعمان، وهو لك من خير الأعوان، ونِعم موضعُ المعروفِ والإحسان. أنفُسنا لك بالطاعة باخعة، ورقابُنا لك بالنَّصيحة خاضعة، وأيدينا لك بالوفاء رهينة. فقال كسرى: نطقْتَ بعقلٍ، وسَموتَ بفضلٍ.

ثم قام عَلقمة بن عُلاثَة فقال: نَهَجت لك سُبلُ الرَّشاد، وخضع لك العبادُ والبلاد. إن للأقاويل مناهج، وللآراء مَوالج، وخيرُ القول أصدقُه، وأفضلُ الطلب أَنجَحه. نحن وإن أَحضرَتْنا المحبَّة، فليس من حضرك منّا بأفضلَ ممن غاب عنك. فقال له كسرى: أبلغْتَ. وذكر كلامًا طويلًا.

ثم قام عمرو بنُ الشَّريد فقال: نَعِم بالُك، ودام في السُّرور حالُك، إن عاقبة الكلام مُتدَبَّرة، وأشكال النّظام مُعتَبرة، وهذا قول ما بعده شرفٌ (٢). إن في أموالنا مرتفدًا، وعلى عِزِّنا المُعتَمد (٣)، فلذلك لا نتعرّضُ لرِفدك، وتخلص نِيَّاتنا في قصدِك، ونحن مع هذا لجوارِك حافظون، ولمَن رامَك مُكافحون.


(١) في النسخ: جارحة، والمثبت من العقد الفريد ٢/ ١٥، والجابة هي الإجابة.
(٢) في العقد ٢/ ١٤: وهذا موطن له ما بعده، شرف فيه من شرف. . .
(٣) في النسخ: المنتقد.