للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العادل، وكان زاهدًا عابدًا ورعًا عفيفًا [نَزِهًا] (١)، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، [واتفق أهل دمشق على أنه] (٢) ما فاتته صلاةٌ بجامع دمشق في جماعة إلا إذا كان مريضًا، وكان ينزل من بيته في الحُوَيرة في سُلَّم طويل، فيصلِّي ويعود إلى داره، ومصلاه بيده، وكان مقتصدًا في ثيابه وفي عَيشه، وما كان يمكِّن أحدًا من غِلْمان القضاة يمشي معه. [بل كأَنَّه بعضُ الناس.

وحكى ولده عماد الدين قال] (١): كان أحد بني قوام يعاملُ الملكَ المُعَظَّم عيسى في السُّكَّر، ويتَّجر له (٣)، فمات [ابن قوام] (١)، فطرح ديوان المعظَّم يده على تركته، وبعث المعظَّم إلى القاضي يقول: هذا الرجل كان يتاجر لي بمالي والتركة لي، وأريد تسلُّمها. فأرسلَ إليه القاضي يقول: لا أُسَلِّم إليك تركته حتى تحلف أنك تستحقها. فقال المعظم: والله ما أحقق مالي عنده. فقال القاضي: وأنا والله ما أسلم إليك حتى تحلف، فما حلف، ولا أثبت له القاضي شيئًا.

[وحكى لي جماعة من الدماشقة أن العادل سيف الدين كتب لبعض خواصِّه كتابًا بالوصية في حكومة بينه وبين] (٤) رجل، فجاء إليه، ودفع إليه الكتاب، فقال: أيش فيه؟ قال: وصيةٌ بي. فقال: أحضرْ خَصْمك. فأحضره والكتاب بيده لم يفتحه، وادَّعى على الرجل، فظَهَرَ الرَّجلُ على حامل الكتاب، فقضى عليه، ثم فتح الكتاب وقرأه، ورمى به إلى حامله، وقال: كتاب الله قد حكم على هذا الكتاب. فمضى الرجلُ إلى العادل، وبكى بين يديه، وأخبره بما قال، فقال: صَدَقَ، كتابُ الله أَوْلى من كتابي.

وكان يقول للعادل: ما أحكم إلا بالكتاب والسنَّة، وأنا فما سألتك القضاء، فإن شئت وإلا فأبصر غيري.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) في (ح): وما فاتته … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) انظر حاشيتنا رقم ١ ص ١٩٠ من هذا الجزء.
(٤) في (ح): وكتب إليه العادل كتابًا يوصيه ببعض خواصه في حكومة بينه وبين رجل … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).