للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ابنُ المشطوب، فاجتازَ بظاهر دمشق، ومضى إلى حماة، فأقام بها، فبعث إليه الأشرف منشورًا بأَرْجيش وزيادة، وبعث إليه بالخِلَع، فسار إلى الأشرف، فأكرمه وأحسن إليه، فصار يركب بالشَّبابة، ويعمل له سلطنة أعظم من الأشرف، وتجبَّر وطغى وبغى، وخامر على الأشرف، وطلع إلى ماردين، ثم قصد ناحية سِنْجار، [وجرى عليه ما سنذكره] (١).

وفيها في شعبان أخذ الفرنج دمياط، وكان المعظم قد جَهَّز إليها النَّاهض بنَ الجرخي [(٢) في خمس مئة راجل، فهجموا على الخنادق، فَقُتِلَ ابن الجرخي] ومَنْ كان معه، وصفُّوا رؤوس القتلى على الخنادق، وكان قد طَمُّوها، وضَعُفَ أهلُ دِمْياط، وأكلوا الميتات، وعَجَزَ الكاملُ عن نُصْرتهم، ووقع فيهم الوباء والفَنَاء، فراسلوا الفرنج على أن يُسَلِّموا إليهم البلد، ويخرجوا منه بأهليهم وأموالهم، واجتمع الأقساء، وحلَّفوهم على ذلك، فركبوا في المراكب، وزحفوا في البحر والبر، وفتح لهم أهلُ دِمْياط الأبواب، فدخلوا، ورفعوا أعلامهم على السُّور، وغدروا بأهل دمياط، ووضعوا فيهم السَّيف قَتْلًا وأَسْرًا، وباتوا تلك الليلة في الجامع يَفْجُرون بالنِّساء، ويفضحون البنات، وأخذوا المنبر، والمصاحف ورؤوس القتلى، وبعثوا بها إلى الجزائر، وجعلوا الجامعَ كنيسةً.

وكان أبو الحسن بن قُفْل بدمياط، فسألوا عنه، فقيل: هذا رجلٌ صالح، من مشايخ المسلمين، يأوي إليه الفقراء، فما تعرَّضوا له. ووقع على الإِسلامِ كآبةٌ عظيمة، وبكى الكاملُ والمعظَّم بكاءً شديدًا، ثم تأخرتِ العساكر عن تلك المنزلة، [فكان المعظم يقول لي بعد ذلك: لو كان الدعاء الآن يسمع لسمع دعاء أهل دمياط، فإن الله تعالى أخبرنا أنه يستجيب دعاءنا في عدة مواضع من كتابه، وإنما أهل دمياط لما كثر فسقهم وفجورهم سلَّط الله عليهم من انتقم منهم ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً … ﴾ (١) [الإسراء: ١٦].

ثم قال الكاملُ للمعظَّم [وقد سُقِطَ في يده] (١): قد فاتَ ما ذُبح، وجرى المقدور بما هو كائنٌ، وما في مقامك ها هنا فائدة، والمصلحة أن تنزل إلى الشَّام تَشْغَل خواطر الفرنج، وتستجلب العساكر من الشرق.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من "المذيل على الروضتين".