للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دمشق، وحدَّث الشيخ عبد الله الحديث، فحدَّثني توبة قال: قال لي الشيخ: ما هو صحيح منك، فلان فتى، والفتى ما يكون غَمَّازًا. فلما عدتُ إلى الشَّام عَتَبني الشيخ، فقلت: توبة تلميذُك، فقال: لا تَعُدْ إلى مِثْلها [(١) كأنه كره أن يُتحدَّث له بكرامة في حال حياته.

وحدثني القاضي جمال الدين بن يعقوب، قاضي كرك البقاع، قال:] كنتُ يومًا عند الجسر الأبيض في مسجدٍ هناك وقت الحَرِّ، وإذا بالشَّيخ عبد الله قد جاء، فنزل ثورا يتوضأ، وإذا بنَصْراني عابر على الجسر، ومعه بغلٌ عليه حِمْلُ خَمْرٍ، فعَثَرَ البغل عند الجسر، [ووقع حِمْلُ الخمر] (٢)، وليس في الطريق أحد، فَصَعِدَ الشيخ من النَهر، وصاح بي: يَا فقيه، تعال. قال: فجئتُ فقال: عاوني. فعاونته حتَّى رَفَعْنا الحِمْلَ على البغل، وراح النَّصْراني، فقلتُ في نفسي: مثل الشيخ يفعل كذا! ثم مشيت خلف البغل إلى العُقَيبة، فجاء إلى دُكَّان الخَمَّار، فَحَطَّ الحِمْلَ، وفتح الزُّقاق، وقلب ليكيله، فإذا به قد صار خَلًّا، فقال له الخَمَّار: ويحك هذا خَلٌّ. فبكى، وقال: والله ما كان إلَّا خمرًا من ساعة، وإنما أنا أعرف العِلَّة، ثم ربط البغل في الختان، وعاد إلى الجبل، وكان الشيخ قد صلَّى الظهر في المسجد الذي عند الجسر، وقعد يسبِّح، فدخل عليه النَّصْراني وقال: يَا سيدي، أنا أشهد أَنْ لا إله إلَّا الله، وأَسْلَمَ، وصار فقيرًا.

[وحكى لي جماعة من أهل بعلبك قالوا: كان جالسًا يومًا في زاويته، وإذا بامرأة طالعة، وبين يديها دابة تسوقها، عليها نحاس وثياب، فربطتها، وجاءت إليه، فسلمت عليه، فقال لها: من أين أَنْتَ؟ فقالت: نصرانية من جبة المنيطرة. قال: وما الذي جاء بك إلى عندي؟ قالت: رأيت السيدة مريم في المنام فقالت: اذهبي فاخدمي الشيخ عبد الله اليوناني إلى أن تموتي. قالت: فقلت لها: يَا سيدتي، فذاك مسلم. فقالت: صحيح أنَّه مسلم، ولكن قلبه [نصراني] (٢)، فقال لها الشيخ: أجادت مريم، ما عرفني غيرها. فأعطاها بيتًا في الزاوية، فأقامت تخدمه ثمانية أشهر، فمرضت، فقال لها الشيخ: أيش تشتهين؟


(١) في (ح): ولا تعد إلى مثلها، وقال القاضي كمال الدين يعقوب قاضي البقاع، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش)، وكذلك هو في "المذيل على الروضتين" نقلًا عن سبط ابن الجوزي.
(٢) ما بين حاصرتين من "المذيل على الروضتين".