للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالت: أموت على دين السيدة مريم. فقال: صيحوا بالقسيس، فجاء فقال: خذ هذه إليك، وخذ قماشها، وكان [يساوي] (١) خمس مئة درهم، فماتت عند القسيس.

وحكى بعضُ أهل بَعْلَبَكّ أنها ما ماتت إلَّا مسلمة، وتصدَّق بما خلفت] (٢).

وكان يأتي في الشِّتاء إلى عيون الفاسريا؛ ظاهر دمشق لأجل سخونة الماء والوضوء، وبنى له على رأس العين مسجدًا صغيرًا يأوي إليه، [وكان الدماشقة يخرجون من دمشق إلى زيارته] (٢)، قال المصنف ﵀: فحكت لي امرأةٌ صالحة، قالت: خرجتُ من دمشق بعد العَصْر، فوصلتُ إلى العيون بعد العِشاء الآخرة، فتوضَّأْتُ وطلعت إلى باب الزَّاوية، وكانت ليلةً مُقْمرة، وإذا بالسَّبُع نائمٌ على باب الزَّاوية، ورأسه على عتبتها، فَيَبِسْتُ، ولم أقدر أتحرَّك، فسحَبْتُ رُكَبي نحو القرية، فلما كان وقت السَّحر هرول السَّبُع ومضى، وخرج الشيخ، فرآني، فقال: ويلك، وأيش كان عليك منه؟! [ومن هذا كثير] (٢).

وكان الشيخ ﵀ شجاعًا لا يبالي بالرِّجال قَلُّوا أو كثروا، وكان قوسه ثمانين رطلًا، وما فاتته غزاةٌ بالشَّام قط، وكان يتمنَّى الشَّهادة، ويُلْقي نفسه في المهالك، [(٣) وحكى لي عنه خادمه عبد الصَّمد قال:] لما دَخَلَ العادل إلى بلد الفرنج، ووصل إلى صافيتا والعُرَيمة كان الشيخ في الزَّاوية ببعلبك، فقال لي: انزل إلى الثّقة عبد الله اطلب بغلته، فأحضرتُها، فركبها وخرجتُ معه، فبتنا في يُونين، وقمنا نصف الليل، فجئنا إلى المحدثة قبل الفجر فقلتُ له: لا تتكلَّم ها هنا، فهذا مكمن الفرنج، [قال:] (٢) فرفع صوته، وقال: الله أكبر، فجاوبته الجبال، [فمتُّ من الفزع] (٢)، ونزل، فصلَّى الفجر، وركب، وطلعتِ الشَّمس، والطَّير لا يطير في تلك الأرض، وإذا قد لاح من ناحية حصن الأكراد طُلْبٌ أبيض، فظنَّهم الاسبتار، فقال: الله أكبر، ما أبركك من يوم، وساق إليهم وقد شَهَرَ سيفه، فقلتُ في نفسي: شيخٌ وتحته بَغْلة، وبيده سيفٌ يسوق إلى طُلْب إفرنج! فلما كان بعد بساعة، وإذا بهم قد قربوا إلينا، وهم عانة حمير وحش، [قال:] (٢) فانكسر،


(١) ما بين حاصرتين من "المذيل على الروضتين".
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) في (ح): وقال عبد الصَّمد، وما بين حاصرتين من (ش).