للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انقطع أكله، فأقام عشرين يومًا لا يدخل في فِيه إلا الماء، ومات كمدًا في شعبان في دار شِبْل الدولة، فقام [شبل الدولة] (١) بأمره أحسنَ قيام، وجهَّزه أجمل جهاز -وكان صديقَه من أيام شمس الدَّولة أخي ستِّ الشَّام، ويقال: إن المبارز كان مملوك شمس الدولة- واشترى له كافور تربةً على رأس زقاق شبل الدولة بألف دِرْهم عند المصنع، وحضر جنازتَه خَلْقٌ عظيم لأَنَّه كان مُحْسنًا إلى النَّاس، ولم يكن في زمانه من الصَّلاحية وغيرهم أكرم ولا أشجع منه، وكانت له المواقف المشهورة مع صلاح الدِّين وغيره، وما كانت الدنيا تساوي عنده قليلًا ولا كثيرًا، ولما مات وجدوا في صندوقه دُسْتورًا فيه جملة ما أنفق في نعال الخيال [وذلك] (١) ثمانية عشر أَلْف دِرْهم، فسألتُ كاتبه عن ذلك فقال: ما يتعلق هذا بنعال دوابِّه، وإنما كان يستعرض الفرس الثمين [بخمس مئة دينار فأكثر، فينعله أولًا قبل أن يركبه] (٢)، فإن صَلُحَ أعطى صاحبه ثمنه وخلع عليه، وإن لم يصلح أعطى صاحبه مئتي دِرْهم، واعتذر إليه.

ولقد اعترض بعضُ الأمراء فرسًا وأنعله ثم ركبه، فلم يصلح، وجاء صاحبه يطلبه فقال الأمير لغلامه: اقلع نعاله، وأَعْطه لصاحبه.

ولقد حكى لي الظهير [ولده] (١) قال: وصل مع أبي إلى الشَّام ذَهَبٌ وجمال وخيلٌ وغيرها ما قيمته مئة أَلْف دينار، ومات وليس له كفن، ما كفَّنه إلَّا شِبْلُ الدولة.

عبد الله بن أَحْمد (٣)

ابن محمَّد بن قدامة، أبو محمَّد، شيخنا موفق الدين، المقدسيّ.

ولد بجمَّاعيل في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمس مئة، وقرأ القرآن [(٤) وقد ذكرنا أنَّه قدم مع الحافظ عبد الغني إلى] بغداد سنة إحدى وستين، وسنة سبع وستين، وحج سنة ثلاثٍ وسبعين، وسمع خَلْقًا كثيرًا، وتفقَّه على مذهب الإِمام أَحْمد رحمة الله عليه، وعاد إلى دمشق، وصنَّف المصنفات الحسان، منها: كتاب "البرهان في علوم


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) في (ح): وإنما كان يستعرض الفرس الثمين، فينعله ويركبه … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ٣/ ١٠٧، و"المذيل على الروضتين": ١/ ٣٦٧ - ٣٧٢، وفيه تتمة مصادر ترجمته.
(٤) في (ح): وقرأ القرآن، وقدم بغداد … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).