للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(١) وحكى لي قال: لما حَرَّم العادل الخمر]، ركبتُ يومًا، وخرجتُ من باب الفرج، وإذا برجل في رقبته طَبْلٌ، وهو يتمايل تحته، فقلتُ: أمسكوه، وشقُّوا الطبل. فَشَقُّوه، وإذا فيه زُكْرةُ خَمْر، فبدَّدْتُها، وضرَبْتُه الحَدَّ، فقلتُ له (٢): من أين علمتَ؟ قال: رأيتُ رِجْلَيه وهي تلعب، فعلمت أنَّه قد حَمَلَ شيئًا ثقيلًا.

وكان لداره بابان: الباب الكبير عليه الغِلْمان والنُّواب، وباب السِّرِّ في زُقاقٍ آخر، فكان النواب إذا أمسكوا في الليل امرأةً من بيت معروف، وحملوها إليه يقول: انزلوا حتَّى أقرّرها، ثم يقول لها: [يا بنتي] (٣)، أنتِ من بيتٍ كبير، ورجالك معروفين (٤)، فما الذي حملك على هذا؟ فتعتذر بما يتفق، فيقول لها: سَتَرَ الله عليك. ويبعث معها الخدم من باب السِّرِّ إلى بيتها. فأقام على هذا نحوًا من أربعين سنة.

وكان في قلب المعظم له شحناء، لأَنَّه كان يُشْفِقُ عليه، ويحفظه في أماكن يدخل إليها بدمشق في الليل، وهو شابٌّ، فيأمر غِلْمانه أن يتبعوه من بعيد، وكان العادل من مِصْر يكتب إليه بذلك، فلما مات العادل [أظهر ما كان في قلبه منه، و] (٣) اعتقله مُدَّة في القلعة، فلم يظهر عليه ولا على أحدٍ من أولاده وحاشيته أَنَّه أخذ من الرَّعية ما مقداره مِثْقال حبَّة خَرْدل، [ولا غيَّر ما كان عليه من العفة والأمانة والصلاح والديانة، ولا غيَّر ولا بدَّل] (٣) فأنزله من القلعة إلى داره، وحَجَرَ عليه، وبالغ في التَّشديد [والعجب من الحجر على الحُر البالغ العاقل الرشيد] (٣)، وكانت وفاته في حادي عشرين ذي القَعْدة يوم السبت، ودفن بقاسيون في التربة التي أنشأها بالجبل عن ثمانين سنة.

وحكى أنَّه ولي دمشق نيابةً عن بدر الدين الشحنة أول ولاية صلاح الدين، ثم استقلَّ بالولاية إلى أن عُزِلَ سنة سبع عشرة وست مئة، [وصلاح الدين فتح دمشق سنة سبعين أو إحدى وسبعين] (٣) فكانت ولايته نيابةً واستقلالًا قريبًا من خمسين سنة، ولم يُؤْخذ عليه شيءٌ إلَّا أَنَّه كان يحبس وينسى، فعُوقب بمثلِ ذلك؛ أقام محبوسًا خمس سنين إلَّا أيامًا.


(١) في (ح): وقال: ركبت يومًا … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) في (ح): فقيل له، والمثبت من (ش).
(٣) ما بين حاصرتين من (ش).
(٤) كذا، على اللفظ العامي.