للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حضر مجلسي بجامع دمشق، فأنشدتُ قصيدًا لجدِّي، أَوَّلها: [من الطويل]

سلامٌ على الدَّار التي لا نزورُها … على أَنَّ هذا القلب فيها أسيرُها

إذا ما ذكرنا طِيبَ أيامنا بها … تَوَقَّدَ في نَفْسِ المشوقِ سعيرُها

رحلْتُمْ وفي سِرِّ الفؤادِ ضمائرٌ … إذا هَبَّ علويُّ الصَّبا يستثيرُها

أتنسى رياضَ الغَوْرِ بعد فِراقِها … وقد أخذ الميثاقَ منكَ غديرُها

مَحَتْ بعدكُمْ تلك العيونُ دموعَها … فهل من دُموعٍ بعدها نستعيرُها

تجعِّدُهُ مرَّ الشمالِ وتارةً … تغازله كَرُّ الصَّبا ومرورُه

ألا أَيُّها الرَّكْبُ الحجازيُّ بَلِّغوا … رسالةَ محزونِ جَوَاهُ سطورُها

إذا كَتَبَتْ أنفاسُهُ بعضَ وَجْدِهِ … على صَفْحة الذِّكْرى محاه زفيرُها

إلى هنا لجدِّي. قلتُ: [من الطويل]

سقى الله أيامًا مَضَتْ ولياليا … تَضَوَّع رَيَّاها وفاحَ عبيرُها

لياليَ بِتْنا نَجْتلي للمُنَى بها … عرائسَ حبَّاتُ القلوبِ مهورُها

فيا حبَّذا جَنَّاتُها وهْيَ غضَّةٌ … ويا حبَّذا من سائر النَّاس حُورُها

ويا حبَّذا للنَّفْس والعِيس عَزْمةٌ … يكون إلى عيسى المليكِ مصيرُها

هو الشَّمْسُ إنْ غابتْ ففي كلِّ ناظرٍ … يقينٌ وعِلْمٌ أَنْ سيشرقُ

تجلَّتْ به الدُّنيا وطالت بفَضْلِهِ … وإحسانِهِ أجيادُها وصدورُها

له حَقُّها إذْ كان عالمَ سِرِّها … وللنَّاس منها زُورُها وغُرورُها

كريمٌ إذا ما جئتَ ترجو أياديًا … له فاضَ مِنْ قبلِ السُّؤالِ غزيرُها

فما تُدْركُ الأشعارُ بعضَ صفاتِهِ … ولو حاكها بشَّارُها وجريرُها

لِيَهْنِك يا عيسى مساعٍ تضاعَفَتْ … لديكَ بإجزاءِ الإله أجورُها

سَبَقْتَ بها الزُّهَّاد إذ طُويتْ بها … لك الأرضُ في شِبْرٍ وهانَ عَسِيرُها

وقفتَ بها للحجِّ وقْفَتَك التي … وقفتَ ونارُ الحربِ بادٍ سعيرُها

وكنت إمامَ المَوْقِفَين عظيمةٌ … مساعيك عند الله جَمٌّ غفيرُها

فلا زلتَ تكسو الدِّين حُسْنًا ورَوْنَقًا … وتُوضحُ مخفيَّاتِهِ وتنيرُها

ودانتْ لك الدُّنيا ودُمْتَ مليكَها … ولا رجعتْ إلا إليكَ أمورُها