للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوائجهم، وكان كثيرَ الصَّدقات، واسعَ المعروف، غزير الإحسان، وكان القاضي الفاضل يحتاج إليه في عِلْم الرَّسائل، وكان إمامًا في فنون العلوم [من المنظوم والمنثور] (١)، مات له ولدٌ صغير، فخرج في جنازته يبكي ويقول: [من مجزوء الرمل]

ما الذي أطمعُ في الدُّنـ … ـيا وقد فارقتُ بعضي

هكذا تنفلتُ الدُّنـ … ـيا من الأيدي وتمضي

قال المصنف ﵀: كتبتُ إليه كتابًا أتشوَّق إليه فيه، فكتب جوابًا بخطِّه: [من البسيط]

وافى كتابُك وَهْوَ الرَّوْضُ مُبْتسمًا … عن ثَغْرِ دُرٍّ طفا مِنْ بحرك الطَّامي

وكان عنديَ كالماءِ الزُّلال وقد … تناولَتْهُ يمينُ الحائمِ الظَّامي

لله نفحةُ فَضْلٍ منه رحتُ بها … نشوانَ أسحبُ أذيالي وأكمامي

يا يوسفَ الفَضْلِ إني بعد فُرْقتنا … يعقوبُ أرجو بشيرًا لي بإلهامي

وما كتابُكَ لي إلا القميصُ إذا … وافى نفى عن جفوني دَمْعَها الهامي

ورد الكتاب الفلاني لا زال سحائب بركاته يحيي النفوس بعد موتها، وهِمَّته العالية تنيل بالهمم شوارد المطالب بعد فوتها، وأياديه تجيب الآمال قبل رفع صوتها، فتلقاه قائمًا، وقام بحقِّه وكان عاجزًا لنفسه لائمًا، وأكبَّ على عنوانه مقبِّلًا، وأطلق به خاطره الذي كان الوجد له مقيدًا ومكبلًا، وافتتحه كما يفتتح عن الأزهار أكمامها، وشاهد منه الجواهر التي رقَّ نثارها وراق نظامها، وتمثل منه جنة على الله تحيتها وسلامها، فشكر الله لتلك الأنامل التي هي بحار الفَضْل، هذه الجواهر الشَّفَّافة الجامعة بين الجزالة واللَّطافة، وابتهج بما دَلَّ عليه من سلامة سيدنا أدامها الله وأكملها، واستأنف الأدعية التي ما أَخَّر وظائفها قَطُّ ولا أهملها. وذكر كلامًا آخر.

وله تصانيفُ كثيرة، ورسائل وأشعار [لطيفة] (١)، وكانت وفاته بدمشق سابع المحرَّم، ودفن بقاسيون، وكان [سبب وفاته أنه كان] (١) محترمًا عند المعظم مُكَرَّمًا، وقد جعل له راتبًا يقوم بأَوَده، فلما مات المعظم قطع [ذلك] (١) الرَّاتب، [الذي كان بصدده] (١) ووقع التقصير في حَقِّه، وكانت له نفس شريفة، وهِمَّة عالية [منيفة] (١)،


(١) ما بين حاصرتين من (ش).