للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُوكُبُري بن عليّ بن بُكْتِكِين (١)

مُظَفَّر الدِّين بن زين الدين، صاحب إرْبِل.

وقد ذكرنا مواقفه مع صلاح الدين، [وأنه خدم صلاح الدين] (٢)، وزوَّجه صلاح الدين أُخته، وملَّكه الشَّرْق، وأَنَّ أخاه زين الدِّين مات بالنَّاصرة، وطلب إربل عِوَض حَرَّان، وأعطاه إياها، وبعد موتِ صلاح الدِّين ما زال منتميًا إلى بيت العادل، مصافيًا لهم، حتى مال الأشرف إلى بدر الدين لؤلؤ، وعَزَمَ على أَخْذِ إربل منه، واستنجد عليه بالخليفة المستنصر، فنهاه عنه، فانتمى إليه، وقَدِمَ بغداد، ومعه مفاتيحُ إربل والقلاع، فالتقاه الموكب، وجلس له المستنصر جلوسًا عامًا في صحن السَّلام، وقعد في شُبَّاك المبايعة، وحضر أربابُ الدَّولة، وصَعِدَ على الدَّرْج، وبايع الخليفة، وطلب منه يده ليقبِّلَها، فناوله إياها، فجعل يقبِّلُها ويبكي، ويقول: الحمد لله، هذا مقامٌ ما وصل إليه غيري. وخاطبه الخليفة بأجمل خطابٍ، وقدَّم للخليفة الخيل والتُّحَف والهدايا، وأعطاه الخليفة أضعافَ ذلك، وخلع عليه خِلَع السَّلْطنة، وعاد إلى إرْبل، وقطع خُطْبة بني العادل، واقتصر على خُطْبة الخليفة.

وكان كثيرَ الصَّدقات، غزير البِرِّ والصِّلات، [حكى جماعة عنه أنه كان يقول:] (٢) لما أخذتُ إربل آليتُ على نفسي أَنْ أقسم مغلّها ثلاثةَ أقسام: قسم أُنفقه في أبواب البر، وقسم للجُنْد وما يخصُّني، وقسم أَدَّخره لعدوٍّ يقصدني، وكان يعمل في كلِّ سنة مولد النَّبيِّ في ربيع الأول، يجتمع فيه أهلُ الدُّنيا، ومن وراء جيحون العلماء والفقهاء والوُّعَّاظ والقُرَّاء والصُّوفية والفقراء، ومن كل صِنْف، وتضرب الخيام في المَيدان، وينزل من القلعة بنفسه، فيقرأ القُرَّاء، ويعظ الوعَّاظ، ويمدُّ سِماطًا أوله عنده وآخره في القلعة، ويحضر الخلائق، فلا يبقى إلا مَنْ يأكل ويحمل، [وحكى لي] (٢)


(١) له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ٣/ ٣٥٤، و"وفيات الأعيان": ٤/ ١١٣ - ١٢١، و "سير أعلام النبلاء": ٢٢/ ٣٣٤ - ٣٣٧، وفيه تتمة مصادر ترجمته.
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).