للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن نَصْر بن عُنَيْن، الزُّرَعي (١)

أصله من حَوْران، وكان خبيث اللِّسان، هجاءً، فاسقًا، متهتكًا، عمل قصيدًا سماها "مقراض الأعراض" خمس مئة بيت، لم يفلت أحدٌ من أهلِ دمشق منها بأقبح هَجْو، ونفاه صلاحُ الدِّين إلى الهند، فمضى، ومدح ملوكها، واكتسب مالًا، وعاد إلى دمشق، [وخدم في ديوان المعظَّم، وكان من أكبر سيئاته، وكانت مجالسه معمورة بقبائحه وَهَناته، وقد ذكرنا ذلك] (٢) ومن هجوه لصلاح الدِّين: [من المنسرح]

سُلْطانُنا أعرجٌ وكاتِبُهُ … ذو عَمَشٍ والوزيرُ منحدبُ

وصاحبُ الأمرِ خلْقُهُ شَرِسٌ … وعارضُ الجيش داؤه عَجَبُ

والدَّوْلَعيُّ الخطيبُ مُعْتكِفٌ … وهو على قشر بيضةٍ يَثِبُ

ولابن باقا وعظٌ يَغُرُّ به النَّا … سَ وعبدُ اللطيفِ محتسِبُ (٣)

ولما نفي كتب من الهند إلى دمشق: [من الكامل]

فعلامَ أبعدتم أخا ثقةٍ … لم يجترمْ ذنبًا ولا سَرَقا

أنفوا الموذِّنَ من بلادكُمُ … إنْ كان يُنْفى كلُّ مَنْ صدقا (٤)

وحضر يومًا بخراسان مجلسَ فخر الدين الرَّازي وهو يعظ، فجاءت حمامةٌ خَلْفها جارحٌ، فألقت نفسها على الفخر، فقال ابنُ عُنَين بديهًا: [من الكامل]

جاءت سليمانَ الزَّمانِ حمامةٌ … والموتُ يلمعُ مِنْ جناحَيْ خاطفِ

قَرِمٌ لواه الجوعُ حتى ظِلُّه … مِنْ تحته يمشي بقلب خائفِ

مَنْ عَلَّم الورقاءَ أَنَّ محلَّكم … حَرَمٌ وأَنَّك ملجأٌ للخائفِ (٥)

فرمى عليه فخر الدين جميعَ ما كان عليه، والحاضرون.


(١) له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ٣/ ٣٣٦ - ٣٣٧، و"وفيات الأعيان": ٥/ ١٤ - ١٥، و"سير أعلام النبلاء": ٢٢/ ٣٦٣، وفيه تتمة مصادر ترجمته.
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) الأبيات في "ديوانه": ٢١٠ - ٢١١ ما خلا البيت الأول، فهو مستدرك من كتابنا هذا.
(٤) "ديوانه": ٩٤.
(٥) "ديوانه": ٩٥ مع اختلاف في بعض الألفاظ، وترتيب الأبيات.