للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما عاد إلى دمشق هجا العادلَ، فقال: [من الخفيف]

إنَّ سُلْطاننا الذي نرتجيه … واسعُ المال ضيِّقُ الإنفاقِ

هو سَيفٌ كما يقال ولكنْ … قاطعٌ للرُّسومِ والأرزاقِ (١)

ولما استخدمه المعظم أقام مدة، ثم كتب إليه يستقيله [من ذلك، فأنشأ يقول] (٢): [من الطويل]

أَقِلْني عِثاري وادَّخِرْها وسيلةً … يكونُ برُحْماها لكَ اللهُ جازيا

كفى حَزَنًا أَنْ لستَ ترضى ولا أرى … فتىً راضيًا عني ولا اللهَ راضيا

وكيف أُرَجِّي بعد سبعين حجةً … نجاةً وقد لاقيتُ فيها الدَّواهيا

أخوضُ الأفاعي طول دهريَ خائفًا … وكم يتوفَّى مَنْ يخوضُ الأفاعيا (٣)

[ولزم السجادة، وانقطع، فبعث له المعظم قنينة خمر وفصوص النرد، وقال: سبح بهذه،] (٣) ومات عن إحدى وثمانين سنة، وقيل: مات سنة إحدى وثلاثين وست مئة.

أبو الخَطَّاب بن دِحْية، المغربي (٤)

كان في المحدِّثين مِثْلَ ابن عُنَيْن في الشُّعراء، يَثْلِبُ علماء المُسْلمين، ويقع فيهم، ويتزيَّد في كلامه، فترك النَّاس الرِّواية عنه، وكذَّبوه، وكان الكامل مقبلًا عليه، فلما انكشف له حاله أَعْرَضَ عنه، وأخذ منه دار الحديث، وأهانه، فتوفي في ربيع الأول بالقاهرة، ودُفِنَ بقرافة مِصْر.

وكان قد قَدِمَ دمشق، وسأل الوزير ابنَ شُكْر أن يجمع بينه وبين شيخنا تاج الدين، فاجتمعا، وتناظرا، وجرى بينهما البحث في قول العرب: لقيته من وراء وراء. فقال ابنُ دِحْية: لا يقال: وراءُ بالرفع، بل بالنَّصْب. فقال تاج الدين: أخطأتَ بل الصَّحيح


(١) "ديوانه": ٢٣٩، وهما في المستدرك من شعره.
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) "ديوانه": ٩٣ مع اختلاف في بعض الألفاظ.
(٤) له ترجمة في "وفيات الأعيان": ٣/ ٤٤٨ - ٤٥٠، و"المذيل على الروضتين": ٢/ ٣٥، وفيه تتمة مصادر ترجمته.