للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وراء، بالرَّفع. فَسَفِهَ على شيخنا تاجِ الدين. فقال له: يَا مدَّعي، أَنْتَ تكتب: وَكَتَبَ ذو النَّسبين بين دِحية والحسين. ودِحية بإجماعِ المحدِّثين ما أعقب، فقد كذبتَ فِي نسبك.

[قلت: والصَّحيح مع تاج الدين (١)، وقد ذكرها الجوهري، فقال: وراء بمعنى خلف، وقد يكون بمعنى قدام، وهو من الأضداد، وأنشد: [من الطَّويل]

إذا أنا لم أُوْمَنْ عليك ولم يكن … لقاؤك إلَّا من وراءُ وراءُ] (٢)

السنة الرَّابعة والثلاثون وست مئة

فيها نزل التتر على إِرْبل بالفارس والرَّاجل، وحاصروها مُدَّة، ونصبوا عليها المجانيق، ونقبوا سورها، ودخلوها عَنْوةً، وقتلوا كلَّ مَنْ فيها، وَسَبْوا وفضحوا البنات، وأخذوا الأموال، وصارتِ الآبار والدُّور قبورَ أهلها، ونتنت المدينة من كَثْرة الجيف، وكان بادكين مملوك الخليفة فِي القلعة، فقاتلهم، ونقبوا القلعة، وجعلوها أسرابًا وطرقًا، وقلَّت عندهم المياه، وماتَ بعضُهم عطشًا، ولم يبق سوى أخذها فمنَّ الله على من بقي من أهلها، فرحلوا عنها فِي ذي الحِجَّة، وقد عَجَزوا عن حَمْل ما أخذوا من الأموال والغنائم، ثم هرب بعد ذلك بادكين إِلَى بغداد.

وفيها استخدم الصَّالحُ أَيُّوب الخُوارَزْميةَ الذين بقوا من أصحاب جلال الدِّين، فانضمُّوا إليه، وانفصلوا عن الرُّومي.

وفيها بَدَتِ الوَحْشة بين الكامل والأشرف، وسببه أَنَّ الأشرف طلبَ منه الرَّقَّة، وقال: الشَّرْق قد صار له، وأنا أطلب كل يوم فِي خِدْمته، فتكون هذه برسم عليق دوابي. وجعل الفلك ابن المسيري واسطةً، فكتب الفلك إِلَى الكامل يخبره، فكتب الكامل إِلَى الفلك كتابًا غليظًا شنيعًا. وكان الكامل لما عَزَمَ على أَخْذِ الرُّوم قال أسد


(١) عقب أبو شامة فِي "المذيل على الروضتين": ١/ ١٩٧، بقوله: أما اللفظان المتنازع فيهما، فرأيت فِي "أمالي" أَحْمد بن يحيى ثعلب جواز الأمرين فيهما، والجر أيضًا.
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).