للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجلست عنده بدار الوزارة فِي القاهرة سنة تسع وست مئة] (١).

وقال فخر الدين بن شيخ الشيوخ: لما حَضَرَ الفرنج دمياط صَعِدَ الكاملُ على مكان عالٍ، وقال لي: ما ترى ما أكثر الفرنج! ما لنا بهم طاقة. [قال] (١): فقلتُ: أعوذ بالله من هذا الكلام. قال: ولمَ؟ قلتُ: لأنَّ السَّعد موكل بالمنطق. فأخذتِ الفرنجُ فِي دمياط بعد قليل، فلما طال الحصار صَعِدَ يومًا على مكانٍ عالٍ، وقال: يَا فلان، ترى الفرنج ما أقلهم! والله ما هم شيء. فقلتُ: أخذْتَهُمْ والله. قال: وكيف؟ قلتُ: قلتَ فِي يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فأخذوا دمياط، وقد قلتَ اليوم: كذا، فالملوك منطَّقون بخيرٍ وشر. فأخذ دمياط بعد قليل.

وكان الملك الأشرف قد تُوفِّي فِي أول هذه السنة، واستولى الصَّالح إسماعيل على دمشق، وجاء الكامل، فحصره، وكان [خالي] (١) محيي الدِّين بن الجوزي بدمشق، فدخل بينهما فِي الصُّلْح، وأعطاه الكامل بَعْلَبَكَّ مضافةً إِلَى بُصْرى بعد أن حوصرت دمشق حصارًا شديدًا، وقُتِلَ عليها جماعة، وزحفَ النَّاصر داود بعسكره من باب توما، وتعلقوا بالنُّقوب، ولم يبق إلَّا أخذها، فأرسل الكاملُ فخر الدِّين بنَ شيخ الشيوخ، فرحَّله إِلَى أرض برزة، وكان الصَّالح قد أرسل إِلَى الكامل يقول: قد بلغني أنك تعطيها للنَّاصر، وأنتَ أحق. وسلَّمها إِلَى الكامل فِي أواخر جُمادى الأولى، فأقام بها إِلَى ثاني عشرين رجب، فتوفي فِي بيتٍ صغير بدار الفِضَّة فِي مكان مات صلاح الدين، ولم يعلم أحدٌ بموته، ولا حضره أحدٌ من شِدَّة هيبته، وإنما دخلوا عليه، فوجدوه مَيتًا، وكان مرضه نيفا وعشرين يومًا بالإسهال والسُّعال، ونزلةٍ فِي حَلْقه، ونِقْرس فِي رِجْله، [ودفن بالقلعة بعدما صلوا عليه] (١)، وأظهروا موته يوم الجمعة، ولم يحزن عليه أحد، ولا لبسوا ثياب الحُزْن، ولحق النَّاس بهتة، واتفقوا فِي الحلقة فِي ذلك النَّهار باتفاق الجَوَاد وسيف الدين بن قليج، والخدام، وعز الدين أيبك، وعماد الدين بن الشيخ، وسنذكر القصة.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).