للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكْرُ ما جرى بين النَّاصر والجَوَاد:

سار النَّاصر من عجلون إِلَى غَزَّة، فاستولى على السَّاحل، فخرج إليه الجواد فِي عسكرِ مِصْر والشَّام، [فبلغني أنَّه] (١) قال للأشرفية: كاتبوه وأطمعوه. فكاتبوه وأطمعوه، فاغترَّ بهم، وساق من غَزَّة فِي سبع مئة فارس إِلَى نابُلُس بأثقاله وخزائنه وأمواله، وكانت على سبع مئة جمل [على ما بلغني] (١)، وترك العساكر مقطعة خلفه، وضرب دِهْليزه على سَبَسْطِيَة، والجواد على جيتين، فساقوا عليه، وأحاطوا به، فساق فِي نفرٍ يسير نحو نابُلُس، وأخذوا الجمال بأحمالها والخزائن والجواهر والجنائب، واستغنَوْا غِنى الأبد، وافتقر هو فقرًا ما افتقره أحد، و [بلغني أن عماد الدين بن الشيخ] (٢) وقع بسَفَطٍ صغير، فيه اثنتا عشرة قطعة من الجوهر، وفصوص ليس لها قيمة، فدخل على الجواد، وطلبه منه، فأعطاه إياه.

وهذه الأموال التي كانت على الجمال قالوا: هي التي جَهَّز بها المعظَّم دار مرشد ابنته لما زَوَّجها بالخُوارَزْمي، أخذها الناصر منها ظنًّا منه أنَّه يعوِّضها إذا فتح البلاد، [ففعل الله فِي ملكه ما أراد] (١)، وسار النَّاصر لا يلوي على شيء إِلَى الكَرَك، [وكانوا قد أشاروا عليه فِي غزة أن يبعث الأموال والخزائن والأثقال إِلَى الكرك (١)] على الرَّوية، ويجمع عسكره، ويسيير جريدةً، فإنْ ظَهَرَ عليهم وإلا سَلِمَتْ خزائنه وأمواله وأموال عسكره، فاغترَّ بمكاتبة الأشرفية، [ولله فِي خلقه أسرار خفية] (١).

وحكي لي أَنَّ الكامل لما تُوفِّي اختلف أصحابه فيمن يولون، فقالوا لفخر الدِّين بن الشيخ: ما تقول فِي الجواد، فقد اتفق الأُمراء عليه؟ فقال: المصلحة أن نولي بعضَ الخُدَّام نيابةً عن ابنِ أُستاذنا العادل، متى شاء عزله، ومتى شاء أبقاه، ولا تولوا أحدًا من بيت الملك، ما يقدر أحدٌ بعد ذلك عليه، ويحكم علينا. وبلغ الجواد، فجاءه، وقال: يَا فخر الدين، أنا وأنت ربينا فِي خِدْمة الكامل، وبيننا خبز وملح، وأنا مملوكك. ووعده أَنْ يعطيه خبز مئة وخمسين فارسًا وعشرة آلاف دينار، فقال: والله لا وافقت إلَّا على ما فيه مصلحة ابن أُستاذي. فلما يئس منه فَرَّق ضياع الشَّام على


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) فِي (ح): ووقع عماد الدين بن الشيخ بسفط … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).