للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى [لي] (١) عماد الدِّين بن موسك وجماعة من أصحاب الأشرف، قالوا: لما مَرِضَ الأشرفُ المرضَ الذي مات فيه دخل علينا فِي النَّيرب والأشرفُ على خُطَّة، فقال له: طَيِّب قلبك، فقد رأيتُ النَّبيَّ ﷺ فِي المنام، وهو يقول: قُلْ لموسى: والله ما تموتُ فِي هذه المرضة. قال: فقُلْنا: بَشَّرك الله بالخير، فقال: إنْ مات، فارْجموني. قال عماد الدين: فمات بعد سبعة أيام، وما رجمناه. تُوفِّي رابع عشر جُمادى الأولى، ودُفِنَ بالمدرسة التي أنشاها بجيرون، [وكان قليل سماع الحديث، سمِع عمه عبد الملك بن زيد بن ياسين الدَّوْلعي، ومحمَّد بن صدقَة الحراني] (١)، وكان له أخٌ جاهل، فولي الخطابة بعده.

موسى بن أبي بكر، أبو الفَتْح، الملك الأشرف (٢)

ولد بالقاهرة سنة ستٍّ وسبعين وخمس مئة، وكان فِي مبدأ أمره بالقُدْس تحت حكم ابن الزَّنْجيلي عثمان. قال [لي] (١) المعظم: أنا أخذتُ له حَرَّان والرُّها والشَّرق من أبي، وجهَّزته من عندي بالخيل والعُدَّة والمماليك. وتقلبت به الأحوال حتَّى صار شاه أرمن، وكسر المواصلة، والرُّوم، والخوارزمي، وأخاه شهابَ الدين، وكان جَوَادًا، حسنًا، عادلًا [عاقلًا] (١) منجبًا؛ لو كانت الدُّنيا بيده، ودفعها إِلَى أقلِّ النَّاس ما استكثرها له، وكان ميمونَ النَّقيبة؛ ما كسرت له رايةٌ قَطُّ، ولما أيقن بالموت أخذ بعضُ مماليكه سنجقه ليكسره، وقال: ما يحمله غيره. فقال له: لا تفعل، فوالله ما كُسِرَ قط. [وحضر مجالسي بخلاط وحران، ودمشق فِي ذي الحجة يوم عرفة بعد العصر بجامع التوبة الذي أنشأه، وبكى بكاء شديدًا، وأعتق مماليكه وجواريه،] (١) وكان عفيفًا عن المحارم، ما خلا بامرأةٍ قَطُّ إلَّا أن تكون زوجةً أو جارية.

قال المصنف ﵀: ولما صَعِدْتُ إِلَى خِلاط، واجتمعت به فِي القلعة جلسنا يومًا فِي منظرةٍ، فعتَبَ على أخيه المعظَّم فِي قضيةٍ بلغته عنه، ثم قال: والله ما مددتُ عيني إِلَى حُرَمِ أحدٍ؛ لا ذكرٍ ولا أُنثى، ولقد كنتُ يومًا قاعدًا ها هنا فِي هذه الطَّيَّارة،


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) له ترجمة فِي "التكملة" للمنذري: ٣/ ٤٦٥، و"المذيل على الروضتين": ٢/ ٤٠ - ٤١، وفيه تتمة مصادر ترجمته.