للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعز من الولد، وبلغ عشرين سنة، فضرب غلامًا له، فمات، فاستغاث أولياؤه، فقلتُ: أَثْبتوا أَنَّه القاتل. فأثبتوا، وجاؤوا يطلبون الثَّأر، فاجتمعَ عليهم مماليكي وخواصي، وقالوا: نحن نعطيكم عشر دِيَات. فأَبَوْا، وقالوا: لا بُدَّ من الاستيفاء. فطردوهم، فوقفوا لي، وقالوا: قد ثَبَتَ حقُّنا. فقلتُ: سَلِّموه إليهم. فسلموه، فقتلوه، ولو طلبوا ملكي دفعته إليهم، ولكن خفت من الله أن أمنعهم حَقَّهم لغرض نفسي.

وقال المصنف ﵀: كنتُ عنده بخِلاط، فقدم عليه النِّظام بن أبي الحديد، ومعه نَعْلُ النَّبيِّ ﷺ، فَعَرَّفْتُه بقدومه، فقال: يحضر. فلما دخل عليه، ومعه النَّعل، قام قائمًا، ونزل من الإيوان، وأخذ النَّعل، فقبَّله، ووضعه على عينيه، وبكى، وخلع على النِّظام، وأعطاه نفقة، وأجرى عليه جرايةً، وقال: تكون فِي الصُّحبة نتبرك به. وانفصلتُ عن خِلاط، فأقام النِّظام عنده، فبلغني أَنَّه قال: هذا النِّظام يطوف البلاد، وما يقيم عندنا، وأنا أوثر أن يكون عندي قطعة من النَّعْل أتبرك به. وعَزَمَ على أخذ قطعةٍ منه، ثم بات مفكِّرًا، ورجع عن ذاك الخاطر، ولما أَخَذَ دمشق حكى لي، قال: عزمتُ على أَخْذِ قطعةٍ منه، ثم فكرتُ، فقلتُ: ربما يجيء بعدي مَنْ يفعل مِثْل فعلي، فيتسلسل الحال، ويؤدي إِلَى استئصاله بمرَّة، فتركتُه، وقلتُ: "مَنْ تَرَك شيئًا لله عَوَّضه الله خيرًا منه" (١). ثم أقام عندي النِّظام شهرًا، واتَّفق أَنَّه مات، فأوصى لي بالنَّعْل، فأخذتُ النَّعْل بأَسْره.

ولما فتح دمشق اشترى دار قَيماز النَّجْمي، وجعلها دار حديث، وتَرَكَ النَّعل فيها، ونقل إليها الكُتُبَ الثمينة، وأوقف عليها الأوقافَ الكثيرة.

ذِكْرُ ما بنى من الأماكن:

بنى مسجد أبي الدَّرْداء ﵁ بقلعة دمشق، وَزَخْرفه، وكان عامّة مقدمه فيه. والمسجد الذي عند باب النَّصر، وخان الزنجاري، ومسجد جراح بالباب الصَّغير، ومسجد القصب بالعُقَيْبة، وجامع بيت الإِبر، ووقف عليها الأوقاف، وبنى بُسْتان النَّيرب بُنْيانًا عظيمًا.


(١) أخرج نحوه أَحْمد فِي "مسنده" (٢٠٧٣٩)، بإسنادِ صحيح، ولم أقف عليه بهذا اللفظ مرفوعًا، والله أعلم.