للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و [منها أنَّه] (١) ركب يومًا للصَّيد فِي رمضان، فاجتاز بين الحربية ودار القز -محلَّتين بالجانب الغربي من بغداد- فرأى شيخًا كبيرًا، معه قدحٌ فيه طبيخ قد أخذه من العتَّابيين، وهو يريد أن يدخل الحربية، وكان فِي كلِّ محلة دار مضيف [فِي رمضان، فقال له: يَا شيخ، ممن أَنْتَ؟ قال: من الحربية. قال: أما عندكم دار مضيف؟ قال: بلى] (١). قال: فلِمَ تأخذ من الموضعين؟! فبكى الشيخ، وقال: والله ما أخذتُ من المحلَّتين، وإنما أنا رجلٌ كان لله عليَّ نعمة، وكان لي مال كثير، فافتقرت، وذهب المال والولد وأستحيي من أهل محلَّتي أن آخذ من دار المضيف، فأنا أمضي إِلَى المحلَّة التي لا أعرف فيها، فآخذ الطَّعام فِي القدح، وآتي إِلَى باب الحربية، فإذا أذن المغرب، ودخل النَّاس فِي الصَّلاة دخلتُ بيتي ولا يراني أحد. فبكى الخليفة، وقال لنفسه: ويحك يَا منصور! ما جوابك غدًا إذا سألك الله عن هذا الفقير المحتاج؟ ثم أعطاه أَلْف دينار، وقال: إذا نفدت، فتعال إِلَى باب البَدْرية. فأخذ المال، ومن فرحته انشقَّ قلبه، فعاش عشرين يومًا، ومات، وطولع الخليفة، فقيل له: ما نقص منه غير دينار واحد، فقال: إن كان له ورثة، فادفعوه إليهم، وإلا فأذنت لكم أن تتصدَّقوا به فِي الحربية على الفقراء، فهذا مال أخرجناه لله فلا نرجع [فيه، ولا يدخل] (١) إلينا.

وكانت وفاته [فِي هذه السنة]، وحمل إِلَى الرّصافة، وحزن عليه الخَلْقُ حُزْنًا عظيمًا لإحسانه إليهم، وعمل له العزاء ببغداد والبلاد كلها ثلاثة أيام، وولي ولده عبد الله.

الباب التَّاسع والثلاثون فِي خلافته، ولقبه المستعصم بالله

[السنة الحادية والأربعون وست مئة]

فيها تردَّدت الرُّسُل بين الصَّالح أَيُّوب وعمه الصَّالح إسماعيل فِي الصُّلْح، وقدم الشَّرف بن التِّبْنِيني، والأصيل الإسعردي الخَطيب، وأُطلق المغيث بن الصالح أَيُّوب، وركب، وخُطِبَ للصَّالح أَيُّوب بدمشق، ولم يبق إلَّا أن يتوجَّه المغيث إِلَى مِصْر، ورضي الصَّالح أَيُّوب ببقاء دمشق على عَمِّه الصَّالح بعد أن يسلِّم إليه ولده عمر


(١) ما بين حاصرتين من (ش).