للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فخر الدين، يوسف بن شيخ الشيوخ (١)

كان عاقلًا، جَوَادًا، مُدَبِّرًا، خليقًا بالمُلْك، محبوبًا إلى النَّاس، ولما توفي الصَّالح نُدِبَ إلى الملك، فامتنع، ولو أجاب لما خالفوه.

وكان لما قدم دمشق [(٢) حَضَرَ إلى عندي، وسألني الجلوس، فجلستُ بجامع دمشق، وكان ساكنًا] في دار سامة، فدخل عليه العماد بن النَّحَّاس، وقال له: يا فخرَ الدِّين، إلى كم! ما بقي بعد هذا اليوم شيء. فقال له: يا عماد الدين، والله لأسبقنَّك إلى الجَنَّة. فكان كما قال، استُشْهد فخر الدين في سنة سبعٍ وأربعين [وست مئة] (٣)، وتوفي العماد في صفر سنة أربعٍ وخمسين، بينهما ثماني سنين.

وكان قد قام بأمر الملك أحسن قيام، وأحسن إلى النَّاس، وبعث أقطايا وجماعةً إلى الحِصْن يحضرون تورانشاه، وحَسَدَ الجُند فخرَ الدين، وعزموا على قَتْله، ونهبوا داره، فاستدعى الأمراءَ والأكابر، وقال: أنا ما لي طمعٌ في المُلْك، وإنما أحفظُ بيتَ أُستاذي حتى يجيء ولده، ويتسلَّم البلاد. فحلفوا، واعتذروا، وكان المتَّهم بذلك الخادم محسن وجماعة.

وجَهزَ جماعةً من مماليك الصَّالح إلى دمشق لما وصلها المُعَظَّم يستعجله في الحضور إلى مِصْر، فأوهمه بعضُ المماليك الواصلين إليه أَنَّ فخر الدِّين قد حلَّف العسكر لنفسه، ومتى وصلت قتلك. فتوقَّف، وأنفق أموال دمشق في العساكر ليستميل بها عسكر مِصْر، وحلَّف المماليك الذين بعثهم فخر الدين إليه على قَتْلِ فخر الدين.

واتَّفق مجيءُ الفرنج إلى عسكر المسلمين، وعبورهم الخنادق والبحر، واندفاع المسلمين من بين أيديهم، فركب فخر الدين وقت السَّحَر ليكشف الخبر، وكان اليوم العظيم، وأنفذ إلى الحلقة والأمراء ليركبوا، وساق جريدةً، ومعه بعضُ مماليكه وأجناده، فالتقى طُلْب الدَّاوية مصادفةً، فحملوا عليه، فهرب مَنْ كان معه، فطعنوه في


(١) له ترجمة في "المذيل على الروضتين": ٢/ ٩٢، وفيه تتمة مصادر ترجمته، و"سير أعلام النبلاء": ٢٣/ ١٠٠ - ١٠٢.
(٢) في (ت): وكان لما قدم دمشق سكن في … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) ما بين حاصرتين من (ش).