للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَنْبه، فوقع عن الفرس، وضربوه في وجهه بالسَّيف عرضًا وطولًا ضربتين، فقتلوه، وجاء مماليكه إلى داره، فكسروا صناديقه، ونهبوا أكثر ما فيها، ونهبت أمواله وخيله، وأخذ الجولاني قدور حَمَّامه، والدِّمياطي أبواب داره، وما نفعه تربيته مماليكه وإحسانه إليهم، وكان قبل ذلك بأيام قد رأى والدته في المنام، وهي تقول: قد أوحشتني. وحَمَلَتْه على كتفها، فاستشعر، فقُتِلَ بعد ذلك بأيام، ثم حُمِلَ من المعركة بقميصٍ واحد، وجُعِلَ في حرَّاقة إلى القاهرة [(١) وخربت داره كلُّها كأنها لم تكن بالأمس، أخربها] الأمراء الذين كانوا كلَّ يوم يركبون إلى خِدْمته، ويقفون على بابه، وهم أكثرُ مِنْ سبعين أميرًا بسناجقهم، [كانوا] (٢) يتمنون أن ينظر إلى أحدٍ منهم نظرة، أخربوا داره بأيديهم، وحمل من المقياس إلى الشَّافعي، فدُفِنَ عند والدته، وكان يومًا مشهودًا، وحُمِلَ على الأصابع، وبكى عليه النَّاس، وعُمِلَ له العزاء العظيم، وكان له يوم مات ستٌّ وستون سنة.

ولما وصل تورانشاه إلى العسكر أخذ مماليكَ فخرِ الدين الصِّغار، وبعض قُماشه بنصف القيمة، ولم يعطهم دِرْهمًا، ولا عوَّض الورثة بشيء، وكان الثمن خمسة وعشرين ألف دينار، وكان إذا جلس جعل حسنات فخر الدين سيئات، يقول: أطلق الكتان والسكر، وأنفق الأموال، وأطلق المحابيس، فأيش ترك لي أنا؟ فكان حِفْظُه الملك وسياسةُ العسكر، ومقاتلة الفرنج من أكبر ذنوبه.

[(٣) ولفخر الدين أشعار، منها]: [من الطويل]

عَصَيتُ هوى نَفْسي صغيرًا فعندما … رمتني اللَّيالي بالمشيبِ وبالكبرِ

أطعتُ الهوى عكس القضيةِ ليتني … خُلِقْتُ كبيرًا وانتقلتُ إلى الصغر

وله أيضًا: [من البسيط]

إذا تحقَّقْتُمْ ما عند صاحبكُمْ … من الغَرَامِ فذاكَ القَدْرُ يكفيهِ

أنتمْ سكنْتُمْ فؤادي وهو منزلكُمْ … وصاحبُ البيتِ أَدرى بالذي فيهِ


(١) في (ت): وأخرب داره الأمراء … ، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) ما بين حاصرتين من (ش).
(٣) في (ت): ومن شعر فخر الدين، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).