للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

وقيل: إن عَمرو بن عامر لم يَملك الشَّام، ولا وصل إليه؛ وذلك لأنه لما خرج من اليمن في ولده وأهله ومَن معه من الأَزْد، نزلوا بلاد عَكّ، ومَلِكُهم سَمْلَقَة، وسألوهم أن يأذنوا لهم في المقام حتى يبعثوا مَن يَرتادُ لهم المنازل ويعود، فأَذنوا لهم، فبعث عمرو بنُ عامر ثلاثةً من ولده: الحارث، ومالك، وحارثة، وهم أولاد عمرو لصُلْبه، ومات عمرو قبل أن يرجع إليه الزُوَّاد، ولما احتُضِر استخلف ولده ثعلبة.

ووثب رجل من الأزد يقال له: جِذْع بن سِنان على سَمْلَقَة ملك عَكّ فقتله، ونَشِبت الحرب بينهم، فخرج ثعلبة بن عمرو بالأزد إلى مكة، وجُرهم يومئذ ولاةُ البيت، فنزل بمنى، وخرجت إليهم جُرهم فحاربتهم، فنُصرت الأزدُ عليهم، فأقاموا بمكة، فضاقت بهم، فرحلوا عنها. فصار بعضهم إلى سواد العراق، فملّكوا عليهم مالكًا أبا جَذيمة الأَبرش، وصار قوم إلى يثرب، فهم الأوس والخزرج، وصار قوم إلى عمان وقوم إلى الشام، فهم آل جَفْنة.

وكان فيهم جِذْع بن سنان قاتلُ سَمْلَقة، وبالشام يومئذ سَليح، فكتب ملك سَليح إلى قيصر يستأذنُه في إنزالهم، فقال قيصر: على شرط ألا يُفسدوا ويطيعوا، فأنزلهم، وقدم عاملٌ لقيصر إلى الشام ليَجبيهم، فطالبهم بالخراج، فقال له جِذْع بن سنان: خذ هذا السَّيف رَهْنًا إلى أن أُعطيك، فقال العامل: اجعله في كذا وكذا من أمّك. فضرب به جِذْع عُنق العامل، فقال بعضُهم: خُذْ من جِذْع ما أعطاك فذهبت مَثَلًا (١)، ثم انتقل جِذْع إلى يثرب، وأقام بنو جَفْنَة بالشام، وتنصَّروا، وأطاعوا قيصر، وكانوا من قبله.

فأوّلُ ملوك الشام على هذا القول: الحارث بن عمرو بن عامر، ثم الحارث بن أبي شَمِر الأعرج الذي قتل المنذر بن ماء السماء.

قال ابن قتيبة: وأمّ الحارث الأعرج مارية ذاتُ القُرطَيْن، وكان خيرَ ملوكهم، وأيمنَهم نقيبَةً، وأسعَدَهم طائرًا.


(١) المعارف ٦٤١ وعنه ينقل المصنف، والمثل في أمثال أبي عبيد (١٠٢٣)، وجمهرة الأمثال ١/ ٤٢١، ومجمع الأمثال ١/ ٢٣١.