للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى آخر الدَّهر، قال: وهل للدَّهر من آخِر؟ قال: نعم، يوم يجمع الله فيه الأوَّلين والآخِرين، ويَسعَد فيه المحسنون، ويَشقى المسيئون، فقال: أحقًّا ما تقول يا سطيح؟ قال: نعم، والشفق، والليل إذا اتَّسق، إن ما أَنبأتُك به لَحقّ.

ثم قدم شق بن مصعب (١) الأنماري فقال له الملك: إني رأيتُ رؤيا، فأخبرني بها، ولم يذكر له ما جرى بينه وبين سطيح ليَختبرهما، هل يتفقان أو يختلفان؟ فقال له شِقّ: رأيتَ حُمَمة، خرجت من ظُلُمة، فوقعت بين رَوْضة وأَكمَة، فأكلتْ أمنها، كلَّ ذات نَسَمة، قال: فما تأويلُها؟ قال: أقسم بما بين الحَرَّتَيْن من إنسان، ليَنزِلَنّ أرضَكم السّودان، وليغلبُنَّ على كلِّ طَفْلَةِ البَنان، وليَملكُن (٢) ما بين أَبْيَن إلى نَجْران، قال: فمتى يكون ذلك؟ قال: بعدك بزَمان، ثم يَستنقِذُهم ذو شان، ويذيقهم الذُّلَّ والهَوان، قال: ومَن هو؟ قال: غلامٌ ليس بدَنيّ، يخرج من آل ذي يزن في زي غني، قال: أفيدوم مُلكُه؟ قال: لا، بل يَنقطع برسولٍ يُبعثُ بالعَدل من بيت الخير والفَضْل، يكون المُلك في أُمَّته إلى يوم الفَصْل، قال: وما يوم الفَصْل؟ قال: يوم يُجازى فيه الآباءُ، والأبناء، والأُمَّهات، والأخوة، والأخوات، يصيح بهم داعٍ من السماوات، فيسمع الأحياء والأموات، يكون لمن اتَّقى فيه الفوز والخيرات، فقال: أحقًّا ما تقول؟ قال: نعم وربّ السماوات والأرض، وما بينهما من رَفْعٍ وخَفْض، إن ما أخبرتُك لحَقّ، ما فيه مِضّ. أي: لا، بلغة الحبشة (٣)، فنقل الملكُ أهلَه إلى الحِيرة، وكان ذلك في أيام سابور من الأكاسرة.


(١) كذا في النسخ، وفي السيرة ١/ ١٥ وشروحها، وتاريخ الطبري ٢/ ١١٢: صعب. وما بين معكوفين منها.
(٢) في النسخ: وليملأن.
(٣) في السيرة ١/ ١٨: أَمْض، قال ابن هشام: يعني شكًّا، هذا بلغة حمير، وقال أبو عمرو: أمض، أي: باطل. قال السهيلي في الروض الأنف ١/ ٢٨: أكلت منها كل ذات جمجمة وكل ذات نسمة، نصب (كل) أصح في الرواية وفي المعنى، لأن الحممة نار، فهي تأكل ولا تُؤكَل. وقال الخشني في شرح غريب السير ١/ ٧٧ من ظلمة؛ من جهة البحر. فوقعت بأرض تهمة، التهمة: الواسعة المتطامنة، ولذلك قيل لما انخفض من أرض الحجاز: تهامة. وأبين: بلد باليمن، وجرش بلد أيضًا. الحرتين؛ الحرة: أرض فيها حجارة سود. طفلة البنان: ناعمة أطراف الأصابع.