للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب: أنا ربُّ هذه الإبل، ولهذا البيت ربٌّ سيمنعُه، فقال: ما كان لِيمنَعه منّي، قال: فأنت وذاك، وأمر بردِّ إبله، فرُدَّت إليه.

قال أبن إسحاق: وذهب عبد المطلب إلى أبرهة بعَمْرو (١) بن نُفاثة بن عدي بن الدُّئل سيّد بني كنانة يومئذٍ، وخُوَيْلد بن واثِلة سيّد بني هُذَيل، فعرضا على أبرهة ثُلُث أموال تِهامة، على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبى عليهم، فرجع عبدُ المطّلب إلى مكّة، وأخبر قريشاً الخبر، وأمرهم أن يتفرَّقوا في الشِّعاب، ويتحرَّزوا في رؤوس الجبال، تخوُّفاً عليهم من معرّة (٢) الجيش، ففعلوا، ثم أتى عبدُ المطَّلب إلى الكعبة، فأخذ بحَلْقة الباب وجعل يقول: [من مجزوء الكامل]

لا هُمَّ إن المَرءَ يَمـ … ـنعُ رَحْلَه فامنع حِلالَكْ

لا يَغْلبنَّ صَليبُهم … ومِحالُهم غَدْواً مِحالَكْ

جَرُّوا جُموعَ بلادهم … والفيلَ كي يَسْبُوا عِيالَكْ

عَمَدُوا حِماك بكَيدِهم … جَهْلاً وما رَقَبوا جَلالَكْ

إن كنتَ تاركَهم وكعـ … بتنا فأمُر ما بدا لك (٣)

ثم قال لهم: [من الرجز]

يا ربِّ لا أرجو لهم سِواكا … إن عدوَّ البيت مَنْ عاداكا

يا ربِّ فامنَعْ منهم حِماكاً … امنَعْهم أن يُخربوا قُراكا (٤)

ثم ترك الحَلْقة، وتوجَّه مع قومه في بعض الوجوه، وأصبح أبرهة بالمُغَمَّس قد تهيَّأ للدُّخول، وعبّى الحبشة، وهيَّأ الفيلَ الأعظم، فأقبل نُفَيْل الخثْعَمي إلى الفيل، فأخذ بأُذنه وقال: ابْرُك محمود، أو ارجع راشداً حيث جئت، فإنَّك في بلد الله الحرام.

وكان الفيل أَمام الجيوش مُزَيَّنا بالسلاح، والرجال حوله، فبوك، فبعثوه نحو مكّة فأبى، فضربوه بالمِعْوَل في رأسه، وأدخلوا تحت مَراقِّه مَحاجِنَهم، وضربوه ليقوم فأبى


(١) في السيرة ١/ ٥٠: يَعْمر، والمثبت موافق لتاريخ الطبري ٢/ ١٣٤.
(٢) في النسخ: مغيرة، والمثبت من السيرة والطبري.
(٣) انظر السيرة ١/ ٥١، والطبري ٢/ ١٣٥.
(٤) تاريخ الطبري ٢/ ١٣٤.