للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَبِلَتْك أمُّك، لو نزلت عليهمُ … ضَمِنُوكَ من جُوعٍ ومِن إِتْلافِ (١)

والمُطْعمينَ إذا الرياحُ تناوَحَتْ … لِمُوَقَّصِين ومُسْنِتِينَ عِجافِ (٢)

والمُفْضِلين إذا المُحُولُ تَرادَفَتْ … والقائلينَ هَلُمَّ للأضيافِ

والخالِطينَ غنيَّهمْ بفقيرِهم … حتى يكونَ فقيرُهُم كالكافي

وذلك لأن قومَه أصابهم قَحْطٌ شديد، وسَنَوات أذهبت المال، فرحل إلى الشام، فاشترى الدَّقيق والسمْنَ والزَّيت، وحَملَه إلى مكة، وكان يَنْحَر الجَزُوْرَ، ويَصنع الثريد وَيلُتُّه بالسمْنِ والزَّيت، ويَهشِمُه، ويجمعُ الناس عليه فعاشوا.

وكنية هاشم: أبو ثَرِيد، وقيل: أبو نَضْلة، وقيل: أبو أسَد.

فَصل في ذِكر رحلة الشتاء والصيف

كانت العربُ تَعْتَفِد (٣) في الجاهلية، واعتِفادُها أن أهلَ البيت منهم إذا هَلَكت مواشيهم، ولم يَبْقَ لهم شيء؛ خرجوا إلى البَرِّيَّة يَضربون على نفوسهم الأَخْبِيَة، ثم لَزِموها حتى ماتوا قبل أن يُعْلَمَ بِخَلَّتِهم، فلما عَظُم قَدْرُ هاشم قال: يا معشرَ قريشٍ، إن العِزَّ مع كثرة العَددَ، وقد أصبحتُم أكثرَ العرب مالًا وأعزَّها نَفَرًا، وإن هذا الاعتفادَ قد أتى على كثيرٍ منكم، وإني قد رأيتُ رأيًا. قالوا: ما هو؛ فإن رأيَكَ رشيدٌ، فمُرْنا بأَمْرِك نأتمِرْ.

قال: رأيتُ أن أَخْلِطَ فقراءكم بأغنيائكم، فأضمَّ إلى كل غنيٍّ فقيرًا يعيش في ظِلِّه يؤاكله، ويكونَ ذلك قاطعًا للاعتفاد، ثم تَرحَلون رحلَتين رحلةً للشتاء والأخرى للصيف، فنساعدهم على ذلك، فقالوا: نِعْمَ ما رأيت. فأَلَّف بين الناس، وأحيى


= عبد الله بن الزبعرى، والأبيات في ديوانه ص ٥٤ س، وقال في "الحماسة": ويروى لعبد الله بن الزبعرى، والأول أكثر.
(١) هبلتك: ثكلتك.
(٢) تناوحت تقابلت، وهي الرياح التي تهب في الشتاء، فهي تهب من جهات متعددة، وقوله: "لموقصين" كذا جاءت في نسخنا، ولم نقف على هذه الرواية، وجاء البيت في ديوان عبد الله بن الزبعرى:
والمطعمون إذا الرياح تناوحت … ورجال مكة مسنتون عجاف
وهو كذلك في الحماسة ١/ ١٥٥ لمطرود بن كعب.
(٣) في النسخ: "تحتقد"، والمثبت من "لسان العرب"، و"القاموس": (عفد).