للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرنا، خبرًا عظيمًا وخَطْبًا جسيمًا فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة، هو لك خاصة، ولقومك عامة.

فقال: أيها الملك، لقد أُبْتُ بخير ما آب به [وافد] (١) فخبِّر، ولولا هيبة الملك لسألته من كشف بشارته إياي ما أَزداد به سرورًا، فقال: نبيٌّ هذا حينه الَّذي يولد فيه، اسمه محمد وأحمد، خَدَلَّجُ الساقين، أكحل العينين، في عينيه علامة، وبين كتفيه شامة بيضاء (٢)، كأَنَّ وجهه فلقة قمر، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وقد ولدناه مرارًا واللهُ باعِثُه جهارًا، وجاعل له منا أنصارًا يُعِزُّ بهم أولياءَه، وَيَخْذِل بهم أعداءَه، يضربون دونه الناسَ عن عرض، ويفتح الله بهم كرائم الأرض، يكسر به الأوثان، ويُعْبد الرحمن، ويُدْحَضُ به الشيطان، وتخمد النيران، قولُه فصل، وحكمه عَدل، فقال له عبد المطلب: عَزَّ جَدُّكَ، وعلا كَعْبُك، وطال عُمُرُك، أفصح لي إفصاحًا، وأوضح لي إيضاحًا.

فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحُجُب، والعلامات على النُّصب، إنك لجده يا عبد المطلب من غير كذب. فخر عبد المطلب ساجدًا، ثم رفع رأسه، فقال له الملك: ثلَجَ صدرُك، وعلا أمرُك، وبلغت أمَلَك في عَقِبِك، هل أحسست مما قلتُ شيئًا؟ قال: نعم، كان لي ولد كُنْتُ عليه شفيقًا، وبه رفيقًا، زوجته كريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وَهْب، فجاءت بغلام فيه كلُّ ما ذكَرَ الملك. فقال له: فاحتفظ به من اليهود فإنهم أعداؤه ولن يجعل الله لهم عليه سبيلًا، والله مُظهِرُ دعوته، وناصر شريعته، فأَغِضَّ على ما قلت لك، واستره دون هؤلاء الرهط الذين معك، فلست آمن أن تدخلهم النفاسة في أن تكون لك الرياسة، فينصبوا لك الحبائل، ويغتالوا لك الغوائل، وهم فاعلون ذلك وأبناؤهم، ولولا علمي أن الموت مجتاحي قبل مخرجه، لسرت إليه بخيلي ورجلي، وصيَّرت يثرب دار ملكي حيث يكون فيها خبره، فأكون وزيره وصاحبه، ومشيره وظهيره على من عاداه وعانده وناوأه، فإنَّا نجد في العلم المصون والسر المكنون، أن يثرب دار مُلكه، وبها استحكام أمره، وتربتها موضع قبره، ولولا الذمامة بعد الزعامة،


(١) ما بين معقوفين زيادة من المصادر.
(٢) في (ك): "أبيض بض".