للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونشبت الحربُ، ثم نظروا فإذا الخطب يسير فكفوا.

الفجار الثاني: اجتمع شباب من كِنانة في سوق عُكاظ، وفيه امرأة من بني عامر وَسيمةٌ جَسيمة، جالسة وعليها دِرْعُها، فسألوها أن تُسْفِرَ عن وَجْهِها فأبت، فجاء أحدهم من خلفها فحل طرف درعها ولشده إلى ما فوق عَجُزِها بشوكة، فلما قامت ارتفع درعها، فبدت عورتها فضحكوا، وقالوا: منعتينا النظر إلى وجهك، وَجُدْتِ لنا بالنظر إلى دُبْرِك. فنادت: يا آل عامر، فأجابوها. ونادى الشباب: يا آل كِنانة. وتثاوَر الحيَّانِ واقتتلوا، ووقعت بينهم دماءٌ كثيرة، فتوسطها حرب بن أمية، وأرضى بني عامر من مُثْلَةِ صاحبتهم.

الفجار الثالث: وسببه أن رجلًا من بني كِنانة كان له على رجل من بني نَصْر بن معاوية دَين، فوافى النَّصْري الكناني، فطالبه به وذكر قومَه بسوء، وسمعه رجل من بني كنانة، فقام إليه فضربه فقتله، وثار الحيان واقتتلوا، ثم حمل الدين عبد الله بن جُدْعان من ماله واتَّفقوا.

الفجار الرابع: وكان أَعظَمَها، وكان الَّذي أهاجه: أنَّ النعمان بن المنذر اللخمي ملكُ الحيرة كان يبعث (١) في كل سنة إلى سوق عكاظ بِلَطيمة -وهي التي تحمل الطيب وَبَزَّ التجار- في جوار رجل شريف من أشراف العرب يُجيرها له، فتباع ويشترى له بها من أَدَم الطائف، وما يحتاج إليه، وكانت سوق عكاظ تقوم في كل يوم من ذي القعدة إلى انسلاخ المحرم، وقيل: أول يوم من ذي الحِجة، يتسوَّقون بحضور الحج، ثم يحجون وينفصلون، وعكاظ بين نخلة والطائف، وكانوا إذا اجتمعوا أَمِن بعضهم بعضًا.

فلما جهز النعمان اللطيمة وعنده جماعة من العرب فيهم: البَرَّاضُ بن قيس أحد بني بكر بن عبد مناف بن كنانة، والرَّحَّال، وهو عروة [بن عتبة] بن جعفر بن كلاب، فقال البَرَّاض: أجيرها على بني كنانة؟ فقال النعمان: ما أريد إلا من يجيرها على أهل نجد وتِهامة، فقال الرَّحَّال -وهو يومئذ رجل من بني هوازن (٢): أنا أجيرها لك. فقال


(١) في النسخ: "يُبعث إليه" والمثبت من العقد ٥/ ٢٥٣ وما سبق فيه، وما سيرد بين معكوفين منه.
(٢) في النسخ: "كنانة" والمثبت من العقد الفريد.