للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقول: إن لمحمدًا عند هذا الراهب قَدْرًا، وجعل أبو طالب يخاف عليه من الراهب، فقال بَحِيرَى لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال: ما هو ابنك، وما ينبغي أن يكون أبوه حيًّا، قال: فإنه ابن أخي، قال: ما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حامل به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: هلكت قريبًا، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه من اليهود. والله لئن عرفوا منه ما أَعرفُ ليَبْغُنَّه عَنَتًا (١)، وإنه كائن لابن أَخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا، ونرويه عن أكابرنا. فلما فرغوا من التجارة عاد به أبو طالبٍ سريعًا إلى مكة.

وكانت رجال من اليهودِ قد رأوا رسول الله ، وعرفوا صفته في التوراةِ فأرادوا أَن يغتالوه، فذكروا ذلك لبَحِيرى فنهاهم عنه أَشدَّ النَّهي وقال: قد وجدتم صِفَتَه في التوراة، وأنه كائن لا محالةَ فلا سبيل لكم عليه، فتركوه، فما خرج به بعدها في سَفَرٍ خَوفًا عليه (٢).

* * *

السنة الرابعة عشرة من مولده -

فيها تحرّكت قيس لحربِ قريش، فخرج إليها عبد الله بن جُدعان وشِيخان قريش، فذكَّروهم الله فرجعوا (٣).

* * *

السنة الخامسة عشرة من مولده -

فيها رُوي أن النبي رأى قُس بن ساعدة الإيادي في سوقِ عكاظ.

قال ابن عباس : قدم وَفْدُ عبد قيس على رسول الله فقال لهم: "ما فَعَل قُسٌّ"؟ قالوا: هلك. قال: "ما أَنْسَاه على جملٍ أَوْرقَ يَخطُبُ بسوقِ عُكاظٍ ويَقُول: أيُّها


(١) في (خ): "والله لئن عرفوا منه ما أعرف لتبعته حيث كان وقتلوه".
(٢) انظر "سيرة" ابن هشام ١/ ١٦٥، و"الطبقات الكبرى" ١/ ١٢٨، و"دلائل النبوة" للبيهقي ٢/ ٢٦، و"المنتظم" ٢/ ٢٩٢.
(٣) هو حرب الفجار الأخير وقد تقدم ذكره قريبًا، انظر "المنتظم" ٢/ ٢٩٦.