للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به -أي: انكب على وجهه-، ونودي: عورتَك، فكان ذلك أَوَّلَ ما نودي به من النبوة، فقال له أبو طالب: اجعل إزارك على رأسك. فقال: ما أصابني ما أصابني إلا في تعرِّيَّ. فما رُئيت لرسول الله بعد ذلك عورة، ثم اقترعوا على بناء البيت بعد هدمه، فوقع لبني عبد مناف وبني زهرة ما بين الركن الأسود إلى ركن الحجر، وجه البيت، ووقع لبني أسد بن عبد العُزى وبني عبد الدار ما بين ركن الحِجْر إلى ركن الحِجْر الآخر، ووقع لبني تيم [ومخزوم] (١) ما بين ركن الحِجْر إلى الركن اليماني. ووقع لبني سَهْم وبني جُمَح ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود. فلما بلغوا موضع الركن، اختصمت القبائل كل قبيلة تريد أن ترفعه، وشرعوا في القتال وأقاموا أيامًا على ذلك، وكان أبو أمية بن المغيرة أسنَّ قريش يومئذ فقال: اجعلوا بينكم أوَّلَ داخل من باب المسجد، فرضوا. وكان رسول الله -أول داخل، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، قد رضينا به، فقال لهم: هلموا ثوبًا، فجاؤوا به فوضعوا [الركن] فيه، وقال: ليأخذ كلُّ سَيِّدِ قبيلة بناحية منه فليرفعوه جميعًا، ففعلوا حتَّى إذا بلغوا به موضعه أخذه رسول الله فوضعه مكانه.

وقال الواقدي: كان في ربع بني عبد مناف: عتبة بن ربيعة، وفي الربع الثاني: أبو زمعة، وفي الثالث: أبو حذيفة بن المغيرة، وفي الرابع: قيس بن عدي، فلما بلغوا خمسة عشر ذراعًا، سقفوه على ستة أعمدة، فذهب رجل من أهل نجد ليناول رسول الله حجرًا يشد به الركن، فقال: لا (٢) ونحّاه. وناول العباس رسول الله حجرًا فشد به الركن، فغضب النجدي، فقال رسول الله : "إنَه ليسَ يبني مَعَنا في هذا البيت إلا رجل منَّا". وكان ذلك أول تحكيمهم رسول الله ، فقال النجدي: قد حكموا أصغرهم سنًّا، واللات والعزى ليكونن له شأن وليفوتنهم سبقًا. وقيل: إن النجدي كان إبليس تصوّر بصورة رجل من أهل نجد، وبه يُضرب المثل، فيقال: الشيخ النجدي، وأخرجوا الحِجْر من البيت لقلة نفقتهم (٣).


(١) ما بين معقوفين زيادة من المصادر.
(٢) في النسخ: "كذا" ولعلها محرفة عن: "كلا" والمثبت من المصادر.
(٣) انظر "سيرة ابن هشام" ١/ ١٧٨ - ١٨٤، و"الطبقات الكبرى" ١/ ١٢٠ - ١٢٢، و"المنتظم" ٢/ ٣٢٠ - ٣٢٧.