للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة العاشرة من النبوة]

فيها خرج بنو هاشم من الشِّعب، واختلفوا في سبب خروجهم على أقوال:

أحدها: أن هشام بن عمرو بن الحارث من بني عامر بن لؤي، وكان أَوْصَلَ قُريش لبني هاشم حين كانوا في الشعب، كان يأتي بالبعير قد أَوْقَره طعامًا في الليل، فإذا جاء إلى الشِّعب، خلع خِطامه وضَربه على جنبيه، فيدخل الشعب، وعلمت به قريش فنهته فلم ينته، فقال أبو سفيان بن حرب: دعوه فإنه رجل وَصل رحمه، أما والله لو فعلنا ما فعل لكان أجمل بنا.

فمشى هشام إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، وكانت أمه: عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وتلبس الثياب، [وأَخْوالك حيث قد علمتَ لا يُبايَعون]، ولا يناكحون، أما تستحي؟ فقال: ويحك، ما أصنع وأنا رجل واحد، أما والله لو كان معي رجل آخر، لقمت في نقضها. فقال: قد وجدته، قال: ومن هو؟ قال: أنا. قال: فابغنا ثالثًا. قال: أبو البَخْتَري بن هشام، قال: ابغنا رابعًا، قال زَمعَة بن الأسود: قال: فابغنا خامسًا، قال المُطْعِم بن عدي: قال: فاجتمعوا عند الحجُون، وتعاهدوا على القيام بنقض الصحيفة، قال زهير: أنا أبدأ بها، فجاوزوا إلى الكعبة وقريش مُحدِقة، فطاف زهير بالبيت سبعًا، ثم نادى: يا أهل مكة، إنَّا نأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، والله لا أقعد حتى نشق هذه الصحيفةَ القاطعة، فقال له أبو جهل: كذبت لا تُشَقُّ والله. فقال زَمْعَة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا حين كُتِبت. وقال أبو البَخْتَري: صدق زَمعَة، لا نرضى ما كتب فيها، فقال المُطْعِم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك. فقال هشام بن عمرو: نتبرَّأ إلى الله منها، ومما كتب فيها.

فقال أبو جهل: هذا أمر قُضي بليلٍ وتُشوورَ فيه. وقام المُطْعِم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأَرَضة قد أكلت ما فيها من الظلم، ولم يبق إلا "باسمك اللهم" (١).


(١) انظر "السيرة" لابن هشام ٢/ ١٧ - ١٨، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٣٤١، و"المنتظم" ٣/ ٤ - ٥، وما بين معكوفين منها.