للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم، وعبثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالونه قبل ذلك، فشكا أصحاب رسول الله إليه واستأذنوه، فقال: "إنه لم يُؤْذَن لي في ذلك بَعْدُ"، ثم إنه خرج عليهم بعد ذلك، فقال: "قد أُريتُ دَار هِجرَتِكُم وهي سَبْخَةٌ ذاتُ نَخْل بين لابَتَين و [لو] كانت السراة أرض نَخْل وسَبَخ لقلت: هي هي" ثم مكث أيامًا وخرج إليهم مسرورًا وقال: "قد أُرِيتُ دارَ هِجرَتِكُم، وهي يَثْرِبُ، فَمن أرادَ الخُروجَ فَليَخرج" فجعل القوم يتجهزون ويترافقون ويتسللون ويتواسَوْن ويخفون خروجهم (١).

وأول من قدم المدينة بعد مصعب بن عمير من فقراء المهاجرين: ابن أم مَكتوم (٢)، وأبو سلمة بن عبد الأسد بعده، وقيل: أول من قدم مهاجرًا: أبو سلمة قبل العقبة الأولى بسنة، وكان قد هاجر إلى الحبشة، ثم قدم مكة وهاجر منها إلى المدينة (٣).

وكانت أمُّ سلمة أولَ امرأة وردت المدينة، وقيل: أولُ ظَعينة قدمت المدينة: ليلى بنت أبي حَثْمة بن عدي زوجة عامر بن ربيعة العنزي (٤).

ولما قدموا المدينة على الأنصار آوَوْهم وواسَوْهم، وسالمٌ مولى أبي حُذيفة يؤم بهم في قباء، ثم قدم المدينة: بلالٌ وسَعْد وعُمَرُ وعمار .

وتتابع الناس فلم يبق بمكة من بني أسد بن خزيمة أحد حتى أغلقت أبوابهم، وأبواب بني البُكَير، وأبواب بني مَظعون.

وقدم جماعة من الأنصار الذين بايعوا رسول الله عند العقبة البيعة الثانيةَ إلى مكة، ثم هاجروا منها إلى المدينة، فهم مهاجرون أنصاريون منهم: ذكوان بن عبد قيس، وعقبة بن وهب، والعباس بن عبادة، وزياد بن لبيد.

وخرج من مكة [مَنْ فيها] من المسلمين، ولم يبق فيها سوى رسول الله ، وأبي


(١) "الطبقات الكبرى" ١/ ١٩٢، وهو عند البخاري (٢٢٩٧).
(٢) أخرج البخاري (٣٩٢٥) عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانوا يقرؤون الناس.
(٣) "سيرة" ابن هشام ٢/ ٨٠. وجمع ابن حجر في الفتح ٧/ ٦٧٧ بين القولين: بأن أبا سلمة خرج لقصد الإقامة بالمدينة بل فرارًا من المشركين، بخلاف مصعب بن عمير فإنه خرج إليها للإقامة بها وتعليم من أسلم من أهلها بأمر النبي ، فلكُلٍّ أولية من جهة.
(٤) انظر "الطبقات الكبرى" ١/ ١٩٢، و"الأوائل" لابن أبي عاصم ص ٧٣.