للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي الزَّغْباء على المقدمة، وجعل على الساقةِ قيسَ بنَ أبي صعصعة، وأمر بمن بعثه في المقدمة أن يلحقوا بالمشركين عيونًا لهم (١).

ولما ورد أبو سفيان بدرًا وكان خائفًا من النبي ﷺ، فلقي في طريقه ببدر مَجْدِي بن عمرو، فقال له: هل أَحْسَست من عيون محمد أحدًا، فوالله ما بمكة قرشي ولا قرشية إلا وقد بعث بها معنا، فقال له: والله ما أدري ولا رأيت ما أنكره إلا راكبين أتيا هذا المكان، وأشار إلى مناخ بسبس وعدي، فقام أبو سفيان إلى مُناخهما، فأخذ من بعر بعيرهما، ففتّه فإذا فيه نوى، فقال: هذه علائف يثرب، هذه عيون محمد، ثم ضرب وجه العير فساحَل بها إلى مكة، واستأجر ضَمْضَم بن عمرو الغِفاري وبعثه إلى مكة نذيرًا لقريش يَسْتَنْفِرهم لأجل أموالهم (٢).

وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم بثلاث ليال، كأَن راكبًا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: يا آل غُدَر، يا آل فُجَر، انفروا إلى مصارعكم بعد ثلاث، فاجتمعوا إليه، فدخل المسجد والناس خلفه، فبينما هم على ذلك حوله إذ مَثُل به بعيره على ظهر الكعبة، فصرخ بأعلى صوته كذلك، ثم مَثُل به بعيره على أبي قُبَيسٍ، فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل، ارفضَّت، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار من دورها إلا دخل فيه منها فَلْقَةٌ، فحدثت عاتكة أخاها العباس بذلك، فقال: اكتميها. ثم لقي العباس الوليد بن عتبة، وكان صديقًا له فحدَّثه الحديث، واستكتمه إياه، فذكره الوليد لأبيه، وفشا الحديث. قال العباس: فلقيني أبو جهل، فقال: يا أبا الفَضْل، متى ظهرت فيكم هذه النبيّةُ؟ قلت: وما ذاك؟ قال: منام عاتكة، فأنكره، فقال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبَّأ رجالكم حتى تنبأت نساؤكم، وقد زعمت عاتكة أنه قال: انفروا إلى مصارعكم بعد ثلاث. ونحن نتربص بكم هذه الثلاث، فإن يكن ما قالت حقًّا فسيكون، وإن مضت الثلاث ولم يكن شيء من ذلك كتبنا عليكم كتابًا أنكم أكذب بيت في العرب، قال: ثم مضى العباس، قال: فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد


(١) انظر "السيرة" لابن هشام ٢/ ١٨٧، و"المنتظم" ٣/ ٩٨.
(٢) انظر "السيرة" ٢/ ١٩٠، و"الطبقات الكبرى"٢/ ١٢، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٤٢٧.